كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

قال في "الفتح" والتصديق أيضًا يتعدى بالباء، فلا يحتاج إلى دعوى التضمين، يعني أن الاحتجاج على التضمين بالتعدية بالباء غير مستقيم، لأن التصديق يتعدى بها أيضًا، وبهذا يظهر لك بطلان اعتراض العيني عليه.
والإِيمان بالله هو التصديق بوِجوده، وأنه متصف بصفات الكمال، منزه عن صفات النقص، وحمله الأُبَيّ على الحقيقة، معللًا بأن السؤال بما إنما يكون عن الحقيقة لا عن الحكم، وعلى هذا فقوله: أن تؤمن ... إلخ من حيث أنه جواب السؤال المذكور، يتعين أن يكون حدًّا، لأن المقول في جوابه إنما هو الحد، فإن قلت: لو كان حدًّا لم يقل جبريل عليه السلام في جوابه صدقت كما في مسلم، لأن الحد لا يقبل التصديق، أجيب بأنه: إذا قيل في الإنسان: إنه حيوان ناطق، وقصد به التعريف، فلا يقبل التصديق كما ذكرت، وإن قصد أنه الذات المحكوم عليها بالحيوانية والناطقية، فهو دعوى وخبر، فيقبل التصديق، فلعل جبريل عليه الصلاة والسلام راعى هذا المعنى، فلذلك قال: صدقت. أو يكون قوله: صدقت تسليمًا، والحد يقبل التسليم، ولا يقبل المنع، لأن المنع طلب الدليل، والدليل إنما يتوجه للخبر، والحد تفسير لا خبر.
قلت: هذا الإيراد والجواب إنما يتمشيان على معرفة أن جبريل عليه السلام ملتزم لمصطلح أهل المنطق في الحدود، يثبت ما أثبتوه، ويمنع ما منعوه، ومن أين لنا بهذا الالتزام، فإن مصطلح المناطقة لم يقل به كثير من علماء المسلمين، ولم يعترف به، فكيف يحكم به على جبريل عليه السلام، ويقع به عليه الإيراد والجواب في كلامه، فهذا ساقط غاية السقوط، بل كان الأولى أن يستدل بمراجعة جبريل والنبي عليهما الصلاة والسلام على بطلان مصطلح المناطقة اهـ.
وقوله: "وملائكته" أي: الإيمان بملائكته، وهو التصديق بوجودهم، وأنهم كما وصفهم الله تعالى: {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} وهم أجساد علوية

الصفحة 340