كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

"وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة" قال: فذكر عرى الإِسلام، فتبين مما ذكر أن بعض الرواة ضبط ما لم يضبطه غيره.
وقوله: "ما الإحسان" مبتدأ وخبر، وال فيه للعهد، أي: ما الإحسان المتكرر في القرآن، المترتب عليه الثواب، كقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وقوله: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ ..} إلى غير هذا، وهو مصدر، لُقول: أحسن يحسن إحسانًا، ويتعدى بنفسه وبغيره، تقول: أحسنت كذا إذا أتقنته، وأحسنت إلى فلان إذا أوصلت إليه النفع، والأول هو المراد، لأن المقصود إتقان العبادة، وقد يلحظ الثاني بأن المخلص مثلًا محسن بإخلاصه إلى نفسه، وإحسان العبادة الإخلاص فيها، والخشوع، وفراغ البال حال التلبس بها، ومراقبة المعبود.
وقوله: "أن تعبدَ اللهَ كأنّك تراه، فإن لم تكن تراهُ فإنه يراكَ" أشار بهذا الجواب إلى مقامين، مقام المشاهدة، ومقام المراقبة، وأرفعهما الأول، وهو أن تغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه، حتى كأنه يراه بعينه، وهو قوله: "كأنك تراه" أي: وهو يراك، والثاني: أن يستحضر أن الحق مطلع عليه، يرى كل ما يعمل، وهو قوله: "فإنه يراك" وهاتان الحالتان يثمرهُما معرفةُ الله وخشيته.
وقد عبر في رواية عمارة بن القعقاع عند مسلم بقوله: "أن تخشى الله كأنك تراه" وكذا في حديث أنس عند البزار والبخاري في "خلق أفعال العباد" وقال النووي: معناه: أنك إنما تراعي الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك، لكونه يراك لا لكونك تراه، فهو دائمًا يراك، فأحسن عبادته وان لم تره، فتقدير الحديث: فإن لم تكن تراه فاستمر على إحسان العبادة فإنه يراك.
قال القَسْطلاني تبعًا للشيخ زكرياء: ويتضح لك ذلك بأن تعرف أن للعبد في عبادته ثلاث مقامات:

الصفحة 348