كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)
وغفل قائل هذا للجهل بالعربية عن أنه لو كان المراد ما زعم، لكان قوله: "تراه" محذوف الألف، لأنه يصير مجزومًا، لكونه على زعمه جواب الشرط، ولم يرد في شيء من طرق هذا الحديث حذف الألف، ولا ضرورة هنا تدعو إلى إثباته في الفعل المجزوم، وأيضًا لو كان ما ادعاه صحيحًا لكان قوله: "فإنه يراك" ضائعًا، لأنه لا ارتباط له بما قبله، ومما يفسد تأويله رواية كهمس عند مسلم، فإن لفظها: "فإنّك إنْ لا تراهُ، فإنه يراكَ" وكذلك رواية سليمان التيمي عند ابن خُزيمة، وفي رواية أبي فَروة المشار لها سابقًا: "فإن لم تره فإنه يراك"، ونحوه في حديث أنس وابن عباس المشار إليهما، فسلط النفي على الرؤية في كل هذه الروايات، لا على الكون الذي حُمل على ارتكاب التأويل المذكور.
قال العَيْني: هذه الروايات هي القاطعة لشغبهم، وأما الجواب المتقدم من جهة الصناعة فلا يقطعه، لأن لهم أن يقولوا: الجواب جملة حذف صدرها، تقديره: فأنت تراه، والجزم في الجملة لا يظهر، والمقدر كالملفوظ.
وقوله: "ما المسؤول عنها" ما نافية، وزاد في رواية أبي فَرْوة: "فنكس، فلم يجبه، ثم أعاد، قلم يُجِبْه ثلاثًا، ثم رفع رأسه، فقال: ما المسؤول".
وقوله: "بأعلم" الباء زائدة لتأكيد النفي، وهذا وإن كان مشعرًا بالتساوي في العلم، لكن المراد التساوي في العلم بأن الله تعالى استأثر بعلمها، لقوله بعد: "خمس لا يعلمهن إلا الله" وهذا نظير التركيب في رواية أبي فَرْوة: "والذي بعث محمدًا بالحق، ما كنت لأعلم به من رجل منكم، وإنه لجبريل".
قال القُرطبي: مقصود هذا السؤال كف السامعين عن السؤال عن وقت الساعة؛ لأنهم كانوا قد أكثروا السؤال عنها، كما ورد في الآيات والأحاديث، كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} فلما
الصفحة 351
474