كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)
حصل الجواب بما ذكر، حصل اليأس من معرفتها، فانكفوا بخلاف الأسئلة الماضية، فإن المراد بها استخراج الأجوبة، ليتعلمها السامعون، ويعملوا بها. ونبه بهذه الأسئلة على تفصيل ما تمكن معرفته مما لا تمكن.
وقوله: "من السائل" عدل به عن قوله: لست بأعلم بها منك إلى لفظ يشعر بالتعميم، تعريضًا للسامعين، أي: إن كل مسؤول وكل سائل فهو كذلك، ووقع هذا السؤال والجواب بين عيسى بن مريم وجبريل، لكن كان عيسى سائلًا وجبريل مسؤولًا كما في نوادر الحُمَيْدي بسنده عن الشعبي، قال: "سأل عيسى بن مريم جبريل عن الساعة، قال: فانتفض بأجنحته، وقال: ما المسؤول عنه باعلم من السائل".
قال النووي: يستنبط منه أن العالم إذا سُئِل عما لا يعلم يصرح بأنه
لا يعلمه، ولا يكون في ذلك نقص في مرتبته، بل يكون ذلك دليلًا على مزيد ورعه، ولله در القائل:
ومَنْ كانَ يهوى أن يُرى متصدِّرًا ... ويكرهُ لا أدري أُصيبت مقاتِلُهْ
وقد سئل مالك رحمه الله تعالى كما في "التمهيد" لابن عبد البر عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري.
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في ثمان لا أدري ما الدهر، ومحل أطفال المسلمين، ووقت الختان، وإذا بال الخُنثى من الفرجين، والملائكة أفضل أم الأنبياء، ومتى يصير الكلب معلمًا، وسؤر الحمار، ومتى يطيب لحم الجلالة.
وسئل الشافعي رحمه الله تعالى عن المتعة أفيها طلاق أم ميراث أم نفقة تجب، فقال: والله ما أدري.
وكان أحمد رحمه الله تعالى يكثر من لا أدري.
وهذا لا ينافي ما هو مشهور في كتب الأصول، من حد الفقه بأنه
الصفحة 352
474