كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

ووردت أحاديث في تتابع هذه العلامات، منها ما أخرجه أحمد ونُعيم بن حَمَّاد عن عبد الله بن عمرو رفعه: "الأياتُ خرَزَاتٌ منْظوماتٌ في سلك، فإذا انقطع السلك تبع بعضها بعضًا" وعن ابن عساكر من حديث حذيفة بن أَسيد الغِفاري رفعه: "بين يدي الساعة عشر آيات كالنظم في الخيط، إذا سقط منها واحدة توالت". وعن أبي العالية: "بين أول الآيات وآخرها ستة أشهر يتتابعن كتتابع الخرزات في النظام" وما ورد عن عبد الله ابن عمرو موقوفًا على الصحيح أنه قال: "تبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومئة سنة" يمكن الجمع بينه وبين ما ذكر من الأحاديث بأن المدة ولو كانت كما قال عشرين ومئة سنة، لكنها تمر مرورًا سريعًا، كمقدار مرور عشرين ومئة شهر من قبل ذلك، أو دون ذلك كما ثبت في "صحيح" مسلم عن أبي هريرة رفعه:"لا تقومُ الساعة حتى تكون السنة كالشهر .. الحديث" وفيه: "واليوم كاحتراق السَّعَفَة".
قلت: حديث عبد الله بن عَمرو وإن كان موقوفًا كما أخرجه عَبْد بن حُمَيد في "تفسيره" عنه بسند جيد، فله حكم الرفع، إذ لا مجال فيه للرأي، وعليه بني القُرطبي ما قال في "التذكرة" من قوله: فتوبة من شاهد ذلك، أو كان كالمشاهد له مردودة، لأن هذا من الإيمان بالمعاينة، لا من الإيمان بالغيب، كالإيمان عند الغرغرة، وهو لا ينفع، فلو امتدت أيام الدنيا بعد ذلك إلى أن يُنسى هذا الأمر، أو ينقطع تواتره، ويصير الخبر عنه آحادًا، فمن أسلم حينئذٍ أو تاب قُبِل منه.
وأيد ذلك بأنه روي أن الشمس والقمر يكسيان الضوء بعد ذلك، ويطلعان من المشرق، ويغربان من المغرب كما كانا قبل ذلك.
وأما ما ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسيره عن عِمْران بن حُصَيْن أنه قال: إنما لا يُقبل الإيمان والتوبة وقت الطلوع لأنه يكون حينئذٍ صيحة، فيهلك بها كثير من الناس، فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت لم تقبل توبته، ومن تاب بعد ذلك قبلت توبته، فقد قال في "الفتح": لا أصل له، وقد وردت آثار كثيرة يشد بعضها بعضًا متفقة على أن الشمس إذا

الصفحة 355