كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

قبل هبويها، فبهذا الجمع يزول الإشكال، وأما بعد هبويها فلا يبقى إلا الشرار، وليس فيهم مؤمن، وعليهم تقوم الساعة، وتكون الساعة حينئذٍ كالحامل المتمِّ، لا يدري أهلها متى تضع من ليل أو نهار كما رُوي عن عيسى عليه السلام، أخرجه أحمد، وابن ماجه، وصححه الحاكم عن ابن مسعود، ولفظه: قال: "لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، لقي إبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكروا الساعة، فبدؤوا بإبراهيم فسألوه عنها، فلم يكن عنده منها علم، ثم سألوا موسى، فلم يكن عنده منها علم، فرد الحديث إلى عيسى فقال: قد عهد إلى فيما دون وجبتها، فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله، فذكر خروج الدجال، قال: فأنزل إليه فأقتله، ثم ذكر خروج يأجوج ومأجوج، ثم دعاءه بموتهم، ثم بإرسال المطر، فيُلْقي جيفَهم في البحر، ثم تُنسف الجبال، وتُمدُّ الأرض مد الأديم، فعُهِدَ إليَّ إذا كان ذلك، كانت الساعة كالحامل المتم، لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها، ليلًا كان أو نهارًا.
هذا ما أردت إيراده هنا، وإذا أحياني الله تعالى إلى وصول الرقاق أو الفتن، كملت الكلام على بعض ما أجمل هنا، ولنرجع إلى تفسير الحديث، فأقول:
قوله: "إذا وَلَدَتِ الأمة ربها" عبر بإذا لإشعاره بتحقق الوقوع، لدلالة إذا على الجزم، ولم يعبر بإن لدلالتها على الشك، فلا يصح أن يقال: إن قامت القيامة كان كذا، بل يرتكب قائله محذورًا لأنه يشعر بالشك فيه، وقد ألغز الزَّمَخْشرِيّ في هذا المعنى فقال:
سَلِّمْ على شيخ النُّحاةِ وقُلْ لهُ ... عندي سؤالٌ من يُجِبْهُ يعظَّمِ
أنا إنْ شكَكْتُ وَجَدْتني به جازمًا ... وإذا جَزَمْتُ فإنّني لم أجْزِمِ
ولم أطّلع على من أجابه، وأجبته مبينًا علة الجزم وعدمه مني فقلت:
إنْ كنتَ في المعنى المؤدَّى حائرًا ... بـ"إنِ" الّتي للشكِّ صرِّخْ واجزِمِ
وإذا تكونُ بما يؤدّى جازمًا ... بـ"إذا" تؤدّيه وما إن تجزمِ

الصفحة 358