كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

فالشكُّ يجبرُ وصمُهُ إعمالَها ... وإذا بذاكَ الوصمِ لم تَتَثلَّمِ
ووقعت هذه الجملة بيانًا للاشتراط، نظرًا إلى المعنى والتقدير: ولادة الأمة، وتطاول الرعاة. وفي التفسير: "ربتها" بتاء التأنيث على معنى النسمة، فيشمل الذكر والأنثى. وفي رواية عثمان بن غِياث: "الإماء أربابَهُنَّ" بلفظ الجمع، والمراد بالرب المالك أو السيد، وقد اختلف العلماء في معنى هذه الكلمة اختلافًا كثيرًا، ملخصه أربعة أقوال:
الأول: وهو قول الأكثرين: إن معناه اتساع الإِسلام، واستيلاء أهله على بلاد الشرك، وسبي ذراريهم فهذا ملك الرجل الجارية واستولدها، كان الولد منها بمنزلة ربها، لأنه ولد سيدها، وهذا يرد عليه أن استيلاء الإماء كان موجودًا حين المقالة، والاستيلاء على بلاد الشرك وسبي ذراريهم واتخاذهم سراري وقع أكثره في صدر الإِسلام، وسياق الكلام يقتضي الإشارة إلى وقوع ما لم يقع مما سيقع قرب قيام الساعة، ووجه هذا القول بأن الإماء تلدن الملوك، فتصير الأم من جملة الرعية، والملك سيد رعيته، وقرب هذا التوجيه بأن الرؤساء في الصدر الأول كانوا يستنكفون غالبًا عن وطء الإماء، ويتنافسون في الحرائر، ثم انعكسر الأمر، ولاسيما في أثناء دولة بني العباس، ورواية: "ربتها" لتأويلها بالنسمة لا تنافي ذلك، وقال البعض: إن إطلاق ربها على ولدها مجاز، لأنه لما كان سببًا في عتقها بموت أبيه، أطلق عليه ذلك، وفسره بعضهم بأن النبي إذا كثر، فقد يُسبى الولد أولًا وهو صغير، ثم يعتق ويكبر ويصير رئيسًا بل ملكًا، ثم تُسبى أمه فيما بعد، فيشتريها وهو لا يشعر أنها أمه، فيستخدمها أو يتخذها موطوءة، أو يعتقها ويتزوجها، وقد جاء في بعض الروايات عند مسلم: "أن تلد الأمة بعلَها" فتحمل على هذه الصورة إن فسر البعل بالزوج، وقد يفسر بالرب كما عليه ابن عباس وغيره من المفسرين في قوله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} أي: ربًّا، وقيل علم على صنم معين، وتفسيره بالرب أولى ليوافق الروايات.
القول الثاني: أن تبيع السادة أمهات أولادهم، ويكثر ذلك، فيتداول

الصفحة 359