كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

الملاك المستولدة، حتى يشتريها ولدها ولا يشعر بذلك، وعلى هذا فالذي يكون من الأشراط غلبة الجهل بتحزيم بيع أمهات الأولاد، أو الاستهانة بالأحكام الشرعية، وهذا إنما يحصل إذا حُمِلَ البيع على صورة اتفاقية، كبيعها في حال حملها، فإنه حرام بالإجماع، وأما بيعها في غير هذه الصورة فلا يحصل فيه ما ذكر، لأنه مختلف فيه، والفاعل له معتقدًا الجواز لا يُنسب للجهل ولا الاستهانة بالشرع.
الثالث: وهو من نمط الذي قبله، أن شراء الولد أمه لا يختص بامهات الأولاد، بل يتصور في غيرهن، بأن تلد الأمة حرًّا من غير سيدها بوطء شبهة، أو رقيقًا بنكاح أو زنى، ثم تباع الأمة في الصورتين بيعًا صحيحًا، وتدور في الأيدي حتى يشتريها ابنها أو بنتها، ولا يرد على هذا تفسير محمد بن بِشْر بأن المراد بالإماء السراري، لأنه تخصيص بغير دليل.
الرابع: أن يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة بالسب والضرب والاستخدام، فأطلق عليه ربها مجازًا لذلك، أو المراد بالرب المربي، فيكون حقيقة، وأورد على هذا أنه لا وجه لتخصيص ذلك بولد الأمة إلا أن يُقال: إنه أقرب إلى العقوق.
قال في "الفتح": وهذا أوجه الأوجه عندي لعمومه، ولأن المقام يدل على أن المراد حالة تكون مع كونها تدل على فساد الأحوال، مستغربة، ومحصلة الإشارة إلى أن الساعة يقرب قيامها عند انعكاس الأمور، بحيث يصير المربَّى مربيًا، والسافل عاليًا، وهو مناسب لقوله في العلامة الأخرى: "أن تصير الحفاة العراة ملوك الأرض".
قال النووي: ليس فيه دليل على تحريم بيع أمهات الأولاد ولا على جوازه، وقد غلط من استدل به لكل من الأمرين، لأن الشيء إذا جعل علامة على شيء آخر لا يدل على حظر ولا إباحة، وقد استدل به إمامان كبيران، أحدهما على الإباحة، والآخر على المنع، وذلك عجيب منهما، وقد أُنكر ذلك عليهما، وهو موضع الإنكار.

الصفحة 360