كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

اعلم أنه جاء في هذا الحديث إطلاق الرب على السيد المالك في قوله: "ربها" وهو معارض لما أخرجه الشيخان من قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يقُل أحدُكم: أطعم ربَّك، وضِّىء ربَّك، اسق ربك، وليقل: سيدي ومولاي" والجواب عن هذا أن الذي يختص بالله تعالى إطلاق الرب بلا إضافة، أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه، كما في قوله تعالى إخبارًا عن يوسف عليه السلام: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} وقوله: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} وقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: "ربها" فدل على أن النهي في ذلك محمول على الإطلاق، ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه، وما ورد من ذلك فلبيان الجواز، وقيل: هو مخصوص بغير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا يرد ما في القرآن، أو المراد النهي عن الإِكثار من ذلك، واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة، وليس المراد النهي عن ذكرها في الجملة.
قلت: الأحسن من الأجوية هو الأخير، وفي حديث النهي دلالة على ذلك؛ لأن قوله: "أطعم ربك، اسق ربك، وضىء ربك" يدل على أنه أراد النهي عن استعمال ذلك في كل الخطاب، ولو لم يرد هذا المعنى لكان يكفي أن يقول: لا يقل ربك أو ربي، والجواب يحمل النهي على التنزيه لا بأس به أيضًا، وأما الأول فغير صحيح لتصريح الحديث بالنهي عما فيه الإضافة، فكيف يجعل هو محل الجواز قطعًا.
وقوله: "وإذا تطاول" أي: تفاخروا في تطويل البنيان، وتكاثروا فيه.
وقوله: "رعاة الإبل البُهْم في البنيان" الرعاة -بضم الراء- جمع راع كقضاة وقاض، والبُهْم -بضم الموحدة وسكون الهاء- جمع أبْهم، يجوز فيه الرفع نعتًا للرعاة، والكسر نعتًا للإبل. وعلى الأول: وصف الرعاة بذلك إما لأنهم مجهولو الأنساب، ومنه: أُبْهِمَ الأمر فهو مبهم إذا لم تعرف حقيقته، أو لأنهم سود الألوان، لأن الأدمة غالب ألوانهم، وقيل: معناه لا شيء لهم، كقوله عليه الصلاة والسلام: "يحشرُ الناس حفاةً عراةً بهمًا"

الصفحة 361