كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

وجه الإحاطة والشمول كليًّا وجزئيًّا، فلا ينافيه إطلاع الله تعالى بعض خواصه على بعض المغيبات، حتى من هذه الخمس، لا على وجه الإحاطة والشمول، بل على وجه الإجمال.
وقوله: "ثم تلا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية" أي: تلاها إلى آخر السورة، إلى قوله: {خَبِيرٌ}، وأما ما وقع عند المؤلف في التفسير، من قوله: "إلى الأرحام" فهو تقصير من بعض الرواة، والسياق يرشد إلى أنه تلا الآية كلها، وقد تضمن هذا الجواب زيادة على السؤال، للاهتمام بذلك، إرشادًا للأمة، لما يترتب على معرفة ذلك من المصلحة. فإن قيل: ليس في الآية أداة حصر كما في الحديث، أجاب الطيبي بأن الفعل إذا كان عظيم الخطر، وما ينبني عليه الفعل رفيع الشأن، فُهِم منه الحصر على سبيل الكناية، ولاسيما إذا لوحظ ما ذكر في أسباب النزول من أن العرب كانوا يدعون علم نزول الغيث، فيشعر بأن المراد من الآية نفي علمهم بذلك، واختصاصه بالله سبحانه وتعالى.
وسبب نزول هذه الآية ما أخرجه ابن المنذر والبَغَوي والواحدي والثَّعْلَبي عن عكرمة، أن رجلًا يقال له: الحارث بن عَمرو، جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: يا محمد: متى قيام الساعة؟ وقد أجدبت بلادُنا فمتى تخصُب؟ وقد تركت امرأتي حُبلى فما تلد؟ وقد علمت ما كسبتُ اليوم فماذا أكسب غدًا؟ وقد علمت بأي أرض ولدت فبأي أرض أموت؟ فنزلت هذه الآية.
والنكتة في العدول عن الإثبات إلى النفي في قوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} وكذا التعبير بالدراية دون العلم للمبالغة والتعميم، إذ الدراية اكتساب علم الشيء بحيلة، فإذا انتفى ذلك عن كلل نفس مع كونه من مختصاتها، ولم تقع منه على علم، كان عدم اطلاعه على علم غير ذلك من باب أولى.

الصفحة 364