كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

وقد قال القسطلاّني: إن الله عَزَّ وَجَلَّ إِذا أمر بالغيث وسَوْقه إِلى ما شاء من الأماكن، علمته الملائكة الموكلون به، ومن شاء سبحانه من خلقه عَزَّ وَجَلَّ، وكذا إذا أراد تبارك وتعالى خلق شخص في رحم، يعلِّمُ سبحانه الملك الموكل بالرحم بما يريد جل وعلا، كما يدل عليه ما أخرجه البخاري، عن أنس، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "إن الله تعالى وكَّلَ بالرحمِ ملكًا، يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد الله تعالى أن يقضي خلقه، قال: أذكر أم أنثى، شقي أم سعيد، فما الرزق والأجل، فيكتب في بطن أمه، فحينئذ يعلم ذلك الملك، ومن شاء تعالى من خلقه" وهذا لا ينافي الاختصاص والاستئثار بعلم المذكورات، لأن المراد بالعلم الذي استأثر به سبحانه العلم الكامل بأحوال كل على التفصيل كما مر، وما يعلم به الملك، ويطلع عليه بعض الخواص دون ذلك العلم الكامل.
قلت: ومن هذا القبيل ما رُوي عن أبي بكر في مرض موته، من قوله لعائشة رضي الله تعالى عنهما: وإنما هما أخواك وأختاك، ولم تكن عائشة عالمة حينئذ إِلا بأخت واحدة، وهي أسماء، وكانت بنت خارجة زوجة أبي بكر رضي الله تعالى عنه حاملًا بأم كلثوم، فلما ولدت علمت مراد أبي بكر رضي الله تعالى عنه بقوله: أختاك، ولما قالت له: ما هي إلا أسماء فمن الأخرى؟! قال لها: ذو بطن بنت خارجة، ما أظنها إلا أنثى. فكان كذلك، وبنت خارجة اسمها حبيبة، وهذا الأثر أخرجه في "الموطأ" بقصته في باب ما لا يجوز من النحل في الأقضية.
وقوله: "ثم أدبر، فقال: ردوه، فلم يروا شيئًا" وفي التفسير: "فأخذوا ليردوه، فلم يروا شيئًا" ففيه أن الملك يجوز أن يتمثل لغير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فيراه، ويتكلم بحضرته، وهو يسمع، وقد ثبت عن عِمران بن حُصَين أنه كان يسمع كلام الملائكة.
وقوله: "جاء يعلِّمُ الناسَ دينَهم" في التفسير: "ليعلم"،

الصفحة 365