كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

والتشبيه للشاهد بالغائب، فشبه المكلف بالراعي، والنفس البهيمية بالأنعام، والمشبهات بما حول الحمى، والمحارم بالحمى، وتناول المشبهات بالرتع حول الحمى، ووجه التشبيه حصول العقاب بعدم الاحتراز عن ذلك، كما أن الراعي إذا جره رعيه حول الحمى إلى وقوعه في الحمى استحق العقاب بسبب ذلك، فكذلك من أكثر من الشبهات، وتعرض لمقدماتها وقع في الحرام، فاستحق العقاب بسبب ذلك.
ووجه ذكر الواو وتركها هنا، وذكرها في قوله الآتي "ألا وإن في الجسد" هو أن وجه حذفها هنا كمال الانقطاع بين حمى الملوك وحمى الله تعالى، لبعد المناسبة بينهما، وأما وجه ذكرها فبالنظر إلى وجود التناسب بين الجملتين، من حيث ذكر الحمى فيهما، فكان بينهما كمال الاتحاد، وأما وجه ذكرها في الأخير فبالنظر إلى وجود المناسبة بين الجملتين، نظرًا إلى أن الأصل في الاتقاء والوقوع هو ما كان بالقلب، لأنه عماد الأمر وملاكه، وبه قوامه ونظامه، وعليه تنبني فروعه، وبه تتم أصوله.
وقوله: "ألا وإنَّ في الجسد مضغة، ... إلخ" هذه الزيادة لم تذكر إلا في رواية الشعبي، ولا هي في أكثر الروايات عنه، بل تفرد بها زكرياء المذكور عنه في "الصحيحين"، وتابعه مجاهد عند أحمد، ومغيرة وغيره عند الطبراني، وعبر في بعض رواياته عن الصلاح والفساد بالصحة والسقم.
وقوله: "مضغة" أي: قدر ما يُمْضَغُ، وعبر بها عن مقدار القلب في الرؤية، وسُمي القلبُ قلبًا لتقلبه في الأمور، وكان صلى الله تعالى عليه وسلم كثيرًا ما يقول: "لا ومُقَلِّب القلوب"، وكان يقول في دعائه: "يا مقلبَ القلوب ثبتْ قلبي على دينك". وقال القائل:
ما سُمّيَ القلبُ إلّا من تقلُّبِهِ ... فاحذَرْ على القلبِ من قلبٍ وتحويلٍ
وقيل: لأنه خالص ما في البدن، وخالص كل شيء قلبه. ويقال: إنه أول

الصفحة 384