كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

وخفْضُ صوتٍ ثمَّ غضُّ البصرِ ... هُو الوَقارُ عندَهُم في الأشهرِ
أما السكينةُ فبالتَّأني ... وعدمِ الفعلِ لما لا يَعْني
وإنما أمرهم بما ذكر مقدمًا لتقوى الله تعالى، لأن الغالب أن وفاة الأمراء تؤدي إلى الاضطراب والفتنة، ولاسيما ما كان عليه أهل الكوفة، إذ ذاك من مخالفة ولاة الأمور.
وقوله: "حتى يأتيكم أمير" أي: بدل أميركم المغيرة المتوفى، ومفهوم الغاية هنا من حتى، وهو أن المأمور به وهو الاتقاء ينتهي بمجيء الأمير ليس مرادًا، بل يلزم ذلك بعد مجيء الأمير بطريق الأولى، وشرط اعتبار مفهوم المخالفة أن لا يعارضه مفهوم الموافقة.
قلت: القاعدة النحوية أن حتى وإلى متى دلت قرينته على دخول الغاية في حكم ما قبلهما، أو على عدم دخولها، عُمل بتلك القرينة، وإلا فثالثها تدخل مع حتى دون إلى وهو الأصح، والقرينة هنا دالة على دخول الغاية، لأن الطاعة مطلولة شرعًا طلبًا مطلقًا، وطلبها مع وجود الأمير آكد، فلا يحتاج إلى الجواب السابق مع القاعدة النحوية.
وقوله: "فإنما يأتيكم الآن" الآن منصوب على الظرفية، وهو ظرف للوقت الحاضر جميعه، كوقت فعل الإنسان حال النطق به، أو الحاضر بعضه نحو قوله تعالى: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ} ويحتمل أن تكون هنا على حقيقتها، فيكون الأمير جريرًا بنفسه لما رُوي أن المغيرة استخلف جريرًا على الكوفة عند موته، ويحتمل أن يراد بها الزمن القريب من الحاضر، وهو كذلك، لما رُوي أن معاوية لما بلغه موت المغيرة كتب إلى نائبه على البصرة زياد أن يسير إلى الكوفة أميرًا عليها.
وقوله: "ثم قال: استَعْفُوا لأميركم" بالعين المهملة، أي اطلبوا له العفو من الله تعالى، وفي رواية ابن عساكر: "استغفرُوا" بغين معجمة وراء.

الصفحة 454