كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

[التوبة: 5] أو يكون هذا من العام الذي خُصَّ منه البعض, لأن المقصود من الأمر حصول المطلوب، فإذا تخلف البعض لدليل لم يُقْدح في العموم، أو يكون المراد بما ذُكر من الشهادة وغيرها التعبير عن إعلاء كلمة الله تعالى، وإذعان المخالفين، فيحصُلُ في بعض بالقتل، وفي بعض بالجِزْية، وفي بعض بالمُعاهدة، أو يكون المراد بالقتال هو أو ما يقوم مقامَه من جزية وغيرها، أو يقال: الغرض من ضَرْب الجزية اضطرارهم إلى الإِسلام، وسبب السبب سببٌ، فكأنه قال: حتى يُسْلموا أو يَلتَزِموا ما يؤدّيهم إلى الإِسلام، وهذا أحسن.
وقوله: "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ... الخ" جعلت غاية المقاتلة وجود ما ذكر، وهذا يقتضي أن من حصل منه ما ذُكِر يعْصِمُ دمه ولو جَحَدَ باقي الأحكام، والجواب أن الشهادة بالرسالة تتضمن التصديق بكل ما جاء به، مع أن نص الحديث، وهو قوله: "إلا بحقِّ الإِسلام" يدخل فيه جميع ما ذُكر، فإن قيل: لِمَ لم يكتف به، ونص على الصلاة والزكاة؟ فالجواب أن ذلك لِعظَمِهما والاهتمام بأمرهما، لأنهما أُمّا العبادات البدنية والمالية، وفي حديث أبي هُريرة في الجهاد الاقتصار على قول: لا إله إلا الله، فقال الطَّبَريّ: إنه عليه الصلاة والسلام قاله في وقت قتاله للمشركين أهل الأوثان، الذين لا يُقرُّون بالتوحيد، وأما حديث الباب ففي أهل الكتاب المُقِرّين بالتوحيد الجاحدين لنبوته عمومًا وخصوصًا وغيرهم، وأما حديث أنس في أبواب أهل القبلة: "صَلَّوْا صلاتنا، واستقبَلُوا قبلَتنا، وذبَحَوا ذبيحَتَنا" ففي من دخل الإِسلام ولم يعمل الصالحات، كترك الجُمُعة والجماعة، فيقاتَلُ حتى يُذْعِن لذلك. ومرّ في حديث "بُني الإِسلام" الكلام على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فراجعه.
وقوله: "فإذا فعلوا ذلك" فيه إطلاق الفعل على القول، لأنه من فعل اللسان، أو هو من باب تغليب الاثنين على الواحد.
وقوله: "عَصَموا مني دماءَهم" أي منعوها، وأصل العصمة من

الصفحة 54