كتاب الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (اسم الجزء: 2)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ وَافْتِرَاقُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ افْتِرَاقُهُ دُونَ جَمْعِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ دُونَ افْتِرَاقِهِ)
الْمَطْلُوبَاتُ فِي الشَّرِيعَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَا يُطْلَبُ وَحْدَهُ وَمَعَ غَيْرِهِ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَالشَّرْطُ مَطْلُوبُ الْحُصُولِ مَعَ الْمَشْرُوطِ فَالْإِيمَانُ مَطْلُوبُ الْجَمْعِ مَعَ كُلِّ عِبَادَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يُكْتَفَى مِنْهُ بِالْإِيمَانِ الْحُكْمِيِّ تَخْفِيفًا عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّ اسْتِحْضَارَهُ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَفِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِمَا يَشُقُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ فَيُكْتَفَى بِتَقْدِيمِهِ فِعْلًا ثُمَّ يُسْتَصْحَبُ حُكْمًا، وَكَالدُّعَاءِ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَطْلُوبٌ وَكَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَالرُّكُوعُ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ أَيْضًا وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَنَحْوُ هَذِهِ النَّظَائِرِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا يُطْلَبُ مُنْفَرِدًا دُونَ جَمْعِهِ مَعَ غَيْرِهِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَطْلُوبَيْنِ فِي الشَّرِيعَةِ قَدْ يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرَ مَطْلُوبٍ وَرُبَّمَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَقَدْ يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَطْلُوبًا كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُ هَذَا الْقِسْمِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مَطْلُوبَةٌ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ مَطْلُوبَانِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» عَكْسُ مَا وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ مَعَ السُّجُودِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ فَعَسَى أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ دُونَ افْتِرَاقِهِ فَكَالرُّكُوعِ مَعَ سَجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبُ الْجَمْعِ وَلَمْ يُشْرَعْ التَّقَرُّبُ بِأَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا وَكَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مَعَ رَمْيِ الْجِمَارِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ مَعَ الْآخَرِ وَلَيْسَ مَطْلُوبًا مُنْفَرِدًا وَكَالْحِلَاقِ مَعَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ لَيْسَ قُرْبَةً عَلَى انْفِرَادِهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قُرْبَةٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ الِاسْتِقْرَاءُ عَلَيْهِ فَهَذَا تَمْثِيلُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، وَأَمَّا وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَقَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَعَبُّدًا لَا يَطَّلِعُ عَلَى حِكْمَتِهِ فَالْإِيمَانُ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي كُلِّ تَقَرُّبٍ اُشْتُرِطَ جَمْعُهُ لِيَتَحَقَّقَ التَّقَرُّبُ فَإِنَّ التَّقَرُّبَ بِالْعِبَادَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ وَافْتِرَاقُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ افْتِرَاقُهُ دُونَ جَمْعِهِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَبِحَمْدِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ مِنْ بَعْدِهِ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ شَادُوا الدِّينَ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ وَافْتِرَاقُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ افْتِرَاقُهُ دُونَ جَمْعِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ دُونَ افْتِرَاقِهِ)
أَمَّا أَمْثِلَةُ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ وَافْتِرَاقُهُ فَمِنْهَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي كُلِّ تَقَرُّبٍ فَإِنَّ التَّقَرُّبَ بِالْعِبَادَةِ فَرْعُ التَّصْدِيقِ بِالْأَمْرِ بِهَا وَالْأَصْلُ شَرْطٌ فِي تَحَقُّقِ الْفَرْعِ، فَالْإِيمَانُ شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَالشَّرْطُ مَطْلُوبُ الْحُصُولِ مَعَ الْمَشْرُوطِ فَالْإِيمَانُ مَطْلُوبُ الْجَمْعِ مَعَ كُلِّ عِبَادَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يُكْتَفَى مِنْهُ بِالْإِيمَانِ الْحُكْمِيِّ تَخْفِيفًا عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّ اسْتِحْضَارَهُ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَفِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا رُبَّمَا يَشُقُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ فَيُكْتَفَى بِتَقَدُّمِهِ عَنْ الْعِبَادَةِ فِعْلًا ثُمَّ يُسْتَصْحَبُ حُكْمًا وَمِنْهَا الدُّعَاءُ وَالسُّجُودُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ فِي

الصفحة 2