كتاب الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (اسم الجزء: 2)

تَعَالَى كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَيُقَالُ إنَّهَا مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ كِتَابًا صُحُفًا وَكُتُبًا أُنْزِلَتْ عَلَى آدَمَ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ إلَى مُحَمَّدٍ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ -.
(الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمَدْلُولِ وَلَهُ مُثُلٌ:
أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْأَذْكَارِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى.
وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاَللَّهِ عَلَى الْآيَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَبِي لَهَبٍ وَفِرْعَوْنَ وَنَحْوِهِمَا.
وَثَالِثُهَا الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ أَفْضَلُ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْحَثِّ عَلَى أَعْلَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ، وَالزَّجْرِ عَنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الدَّلَالَةِ لَا بِشَرَفِ الْمَدْلُولِ كَشَرَفِ الْحُرُوفِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَوْصَافِ الدَّالَّةِ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ ذَلِكَ أَوْجَبَ شَرَفَهَا عَلَى جَمِيعِ الْحُرُوفِ لِهَذِهِ الدَّلَالَةِ.
وَأَمَرَ الشَّرْعُ بِتَعْظِيمِهَا فَلَا تُمْسَكُ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَيُكَفَّرُ مَنْ أَصَابَهَا بِالْقَاذُورَاتِ وَلَهُ وَقْعٌ عَظِيمٌ فِي الدِّينِ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إلَى بِلَادِ الْكَافِرِينَ خَشْيَةَ أَنْ تَنَالَهَا أَيْدِيهِمْ
(الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ التَّعَلُّقِ كَتَفْضِيلِ الْعِلْمِ عَلَى الْحَيَاةِ فَإِنَّ الْحَيَاةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ بَلْ لَهَا مَوْصُوفٌ فَقَطْ وَالْعِلْمُ لَهُ مَوْصُوفٌ وَمُتَعَلَّقٌ فَلَهُ مَزِيَّةُ شَرَفٍ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْإِرَادَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُمْكِنَاتِ، وَالْقُدْرَةُ بِالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ، وَالسَّمْعُ بِالْأَصْوَاتِ، وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَالْبَصَرُ بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ وَلَيْسَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى السَّبْعَةِ صِفَةٌ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ إلَّا الْحَيَاةَ

(الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمُتَعَلَّقِ كَتَفْضِيلِ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ وَكَتَفْضِيلِ عِلْمِ الْفِقْهِ عَلَى الطِّبِّ لِتَعَلُّقِهِ بِرَسَائِلِ اللَّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمُتَعَلِّقِ كَتَفْضِيلِ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ)
قُلْت: مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ - مِنْ أَنَّ كُلَّ مَدْلُولٍ مُتَعَلِّقٌ - لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْمَدْلُولَ غَيْرُ الْمُتَعَلِّقِ فِي الِاصْطِلَاحِ الْمَعْهُودِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ كُلَّ مَدْلُولٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِوَجْهٍ مَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعِبَادَتُهُ تَجْرِي عَلَى التَّوَالِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا عِصْيَانٌ فَسُمِّيَ وَلِيًّا وَقِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَوَلَّاهُ بِلُطْفِهِ فَلَمْ يَكِلْهُ إلَى نَفْسِهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ لَحْظَةً عَلَى آحَادِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُقْتَصَرِينَ عَلَى أَصْلِ الدِّينِ وَكَذَلِكَ أَيْضًا تَفَاضُلُ الْأَوْلِيَاءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِكَثْرَةِ الطَّاعَةِ فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَتْ رُتْبَتُهُ فِي الْوِلَايَةِ أَعْظَمَ.
وَرَابِعُهَا تَفْضِيلُ الشَّهِيدِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لِأَنَّهُ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى بِبَذْلِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي نُصْرَةِ دِينِهِ وَأَعْظِمْ بِذَلِكَ مِنْ طَاعَةٍ.
وَخَامِسُهَا تَفْضِيلُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الشُّهَدَاءِ بِسَبَبِ طَاعَةِ الْعُلَمَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِضَبْطِ شَرَائِعِهِ وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِهِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْجِهَادُ وَهِدَايَةُ الْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ وَتَوْصِيلُ مَعَالِمِ الْأَدْيَانِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَلَوْلَا سَعْيُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَانْقَطَعَ أَمْرُ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَنْ يَقُولُ اللَّهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا جَمِيعُ الْأَعْمَالِ فِي الْجِهَادِ إلَّا كَنُقْطَةٍ مِنْ بَحْرٍ وَمَا الْجِهَادُ وَجَمِيعُ الْأَعْمَالِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا كَنُقْطَةٍ مِنْ بَحْرٍ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ وُزِنَ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ بِدَمِ الشُّهَدَاءِ لَرَجَحَ» .
(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) التَّفْضِيلُ بِكَثْرَةِ الثَّوَابِ الْوَاقِعِ فِي الْعَمَلِ الْمُفَضَّلِ وَلَهُ مُثُلٌ:
أَحَدُهَا الْإِيمَانُ بِكَثْرَةِ ثَوَابِهِ مِنْ الْخُلُودِ فِي الْجِنَانِ وَالْخُلُوصِ مِنْ النِّيرَانِ وَمِنْ غَضَبِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ.
وَثَانِيهَا صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً.
وَثَالِثُهَا الصَّلَاةُ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا بِأَلْفِ مَرَّةٍ مِنْ الْمَثُوبَاتِ قَالَ الْبَاجِيَّ وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْلِ الْمَسْجِدَيْنِ مُخَالَفَةُ حُكْمِ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِسَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَلَا يُعْلَمُ مِنْهَا حُكْمُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي التَّفَاضُلِ إلَّا أَنَّ حَدِيثَ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ بِمِائَةِ أَلْفٍ إذَا ثَبَتَتْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ نَفْسَ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ نَفْسِ الْمَدِينَةِ اهـ.
نَقَلَهُ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ لَكِنْ فِي الرَّهُونِيِّ عَنْ سَيِّدِي أَحْمَدَ بَابَا وَاسْتُدِلَّ أَيْ لِتَفْضِيلِ مَسْجِدِ مَكَّةَ بِحَدِيثِ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ صَلَاةٍ» حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ صَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ وَهُوَ الْحُجَّةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَهُوَ صَرِيحٌ بِدَفْعِ مَا قِيلَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ بِدُونِ أَلْفٍ، أَوْ بِتَسَاوِيهِمَا وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُ ذَلِكَ فَتَرَقَّبْ.
وَرَابِعُهَا صَلَاةُ الْقَصْرِ أَفْضَلُ فِي مَذْهَبِنَا خَاصَّةً مِنْ صَلَاةِ الْإِتْمَامِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ عَمَلًا.

(الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمَوْصُوفِ وَلَهُ مُثُلٌ:
أَحَدُهَا الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الْقَدِيمُ أَشْرَفُ مِنْ سَائِرِ الْكَلَامِ لِوُجُوهٍ مِنْهَا شَرَفُ مَوْصُوفِهِ عَلَى كُلِّ مَوْصُوفٍ وَمِنْهَا قِدَمُهُ وَبَقَاؤُهُ.
وَثَانِيهَا إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتُهُ وَسَائِرُ الصِّفَاتِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَفْضَلُ لِوُجُوهٍ مِنْهَا شَرَفُ الْمَوْصُوفِ وَمِنْهَا قِدَمُهَا وَبَقَاؤُهَا
وَثَالِثُهَا صِفَاتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَجَاعَتِهِ وَكَرَمِهِ وَجَمِيعِ مَا هُوَ صِفَةٌ لِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ صِفَاتِنَا لِوُجُوهٍ مِنْهَا شَرَفُ الْمَوْصُوفِ وَمِنْهَا مُصَاحَبَتُهَا النُّبُوَّةَ.

(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الصُّدُورِ قِيلَ كَشَرَفِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِوَصْفِ جَمِيعِ كَلَامِ النَّاسِ فِي أَنْفُسِهِمْ

الصفحة 217