كتاب الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (اسم الجزء: 2)

لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَآلِهِ وَالْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَآلِهِ فَيَحْصُلُ؛ لِآلِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ تِلْكَ الْعَطِيَّةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَحْصُلُ لِآلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ هَذِهِ الْعَطِيَّةِ فَيَكُونُ الْفَاضِلُ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ أَخْذِ آلِهِ مِنْ هَذِهِ الْعَطِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ الْفَاضِلِ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ تِلْكَ الْعَطِيَّةِ وَإِذَا كَانَتْ عَطِيَّةُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْظَمَ كَانَ أَفْضَلَ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ فَجَعَلَ التَّشْبِيهَ فِي الدُّعَاءِ كَالتَّشْبِيهِ فِي الْخَبَرِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا وَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَ عَطِيَّةٍ تَحْصُلُ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ تَكُنْ حَصَلَتْ لَهُ قَبْلَ الدُّعَاءِ فَإِنَّ الدُّعَاءَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ الْمُسْتَقْبَلِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الَّذِي حَصَلَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْلَ الدُّعَاءِ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّشْبِيهِ وَهُوَ الَّذِي فُضِّلَ بِهِ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُمَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا كَرَجُلَيْنِ أُعْطِيَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ أَلْفَانِ ثُمَّ طُلِبَ لِصَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ مِثْلُ مَا أُعْطِيَ لِصَاحِبِ الْأَلْفِ فَيَحْصُلُ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَالْآخَرُ أَلْفٌ فَقَطْ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي دُعَاءٍ لَا فِي خَبَرٍ نَعَمْ لَوْ قِيلَ إنَّ الْعَطِيَّةَ الَّتِي حَصَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ الْعَطِيَّةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَزِمَ الْإِشْكَالُ لِكَوْنِ التَّشْبِيهِ وَقَعَ فِي الْخَبَرِ لَكِنْ التَّشْبِيهُ مَا وَقَعَ إلَّا فِي الدُّعَاءِ فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَاضْبِطْ الْقَاعِدَةَ وَالْفَرْقُ يَنْدَفِعُ لَك بِهِمَا أَسْئِلَةٌ كَثِيرَةٌ وَإِشْكَالَاتٌ عَظِيمَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــSفَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ) قُلْتُ قَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَوَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا.
قَالَ (فَجَعَلَ التَّشْبِيهَ فِي الدُّعَاءِ كَالتَّشْبِيهِ فِي الْخَبَرِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا وَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَ عَطِيَّةٍ تَحْصُلُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَكُنْ حَصَلَتْ لَهُ قَبْلَ الدُّعَاءِ فَإِنَّ الدُّعَاءَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ الْمُسْتَقْبَلِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي دُعَاءٍ لَا فِي خَبَرٍ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّعَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ بِهِ عَطَاءً مُسَاوِيًا لِعَطَاءِ الْمُشَبَّهِ بِهِ زَائِدًا عَلَى مَا ثَبَتَ لِلْمَدْعُوِّ لَهُ مِنْ الْعَطَاءِ قَبْلَ الدُّعَاءِ وَعَلَى ذَلِكَ لَا يَرِدُ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا قَالَ (قَالَ: نَعَمْ لَوْ قِيلَ إنَّ الْعَطِيَّةَ الَّتِي حَصَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ الْعَطِيَّةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَزِمَ الْإِشْكَالُ لِكَوْنِ التَّشْبِيهِ وَقَعَ فِي الْخَبَرِ إلَى آخَرِ كَلَامِهِ فِي هَذَا الْفَرْقِ) .
قُلْتُ: قَوْلُهُ لِكَوْنِ التَّشْبِيهِ وَقَعَ فِي الْخَبَرِ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الدَّاعِي أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ بِالدُّعَاءِ تَسْوِيَةَ الْمَدْعُوِّ لَهُ وَمَعَ الشَّبَهِ بِعَطَائِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ لَهُ قَدْ أُعْطِيَ قَبْلَ الدُّعَاءِ عَطَاءً فَيَكُونُ الْمَطْلُوبُ بِالدُّعَاءِ زِيَادَةً تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ يُتَّجَهُ وُرُودُ السُّؤَالِ وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِمِثَالٍ وَهُوَ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: أَعْطِ زَيْدًا كَمَا أَعْطَيْتَ عَمْرًا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مُطْلَقِ الْعَطَاءِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِقَصْدِ التَّسْوِيَةِ فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَلَا صِفَتِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَصِفَتِهَا وَمِنْ غَيْرِ مُحَاسَبَةِ زَيْدٍ بِمَا أَعْطَيْتَهُ قَبْلَ هَذَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَصِفَتِهَا مَعَ مُحَاسَبَةِ زَيْدٍ بِمَا أَعْطَيْتَهُ قَبْلَ هَذَا وَسُؤَالُ عِزِّ الدِّينِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمْ الْأَعْلَامُ السُّودُ سَمِعُوا أَصْوَاتَ الطُّبُولِ فَأَفْرَجُوا عَنْ الْقَوْمِ وَوَافَى مِيكَالُ مَوْضِعَ الْمَعْرَكَةِ فَوَارَى الْقَتْلَى وَحَمَلَ الْجَرْحَى.
قَالَتْ الْمَرْأَةُ وَأَدْخَلَ الْحِصْنَ ذَلِكَ الْيَوْمَ زُهَاءَ أَرْبَعِمِائَةِ جِنَازَةٍ فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ إلَّا حُمِلَ إلَيْهَا قَتِيلٌ وَعَمَّتْ الْمُصِيبَةُ وَارْتَجَّتْ النَّاحِيَةُ بِالْبُكَاءِ قَالَتْ: وَوُضِعَ زَوْجِي بَيْنَ يَدَيَّ قَتِيلًا فَأَدْرَكَنِي مِنْ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ عَلَيْهِ مَا يُدْرِكُ الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ عَلَى الزَّوْجِ أَبِي الْأَوْلَادِ وَكَانَتْ لَنَا عِيَالٌ قَالَتْ فَاجْتَمَعَ النِّسَاءُ مِنْ قَرَابَاتِي وَالْجِيرَانُ يُسَاعِدْنَنِي عَلَى الْبُكَاءِ وَجَاءَ الصِّبْيَانُ وَهُمْ أَطْفَالٌ لَا يَعْقِلُونَ مِنْ الْأُمُورِ شَيْئًا يَطْلُبُونَ الْخُبْزَ وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أُعْطِيهِمْ فَضِقْت صَدْرًا بِأَمْرِي.
ثُمَّ إنِّي سَمِعْت أَذَانَ الْمَغْرِبِ فَفَزِعْت إلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّيْت مَا قَضَى لِي رَبِّي ثُمَّ سَجَدْت أَدْعُو وَأَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْأَلُهُ الصَّبْرَ وَأَنْ يَجْبُرَ يُتْمَ صِبْيَانِي قَالَتْ: فَذَهَبَ بِي النَّوْمُ فِي سُجُودِي فَرَأَيْت فِي مَنَامِي كَأَنِّي فِي أَرْضٍ خَشْنَاءَ ذَاتِ حِجَارَةٍ وَأَنَا أَطْلُبُ زَوْجِي فَنَادَانِي رَجُلٌ إلَى أَيْنَ أَيَّتُهَا الْحُرَّةُ قُلْت أَطْلُبُ زَوْجِي فَقَالَ: خُذِي ذَاتَ الْيَمِينِ فَرُفِعَ لِي أَرْضٌ سَهْلَةٌ طَيِّبَةُ الرَّيِّ ظَاهِرَةُ الْعُشْبِ وَإِذَا قُصُورٌ وَأَبْنِيَةٌ لَا أَحْفَظُ أَنْ أَصِفَهَا وَلَمْ أَرَ مِثْلَهَا وَإِذَا أَنْهَارٌ تَجْرِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ غَيْرَ أَخَادِيدَ لَيْسَتْ لَهَا حَافَّاتٌ فَانْتَهَيْت إلَى قَوْمٍ جُلُوسٍ حِلَقًا حِلَقًا عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ خُضْرٌ قَدْ عَلَاهُمْ النُّورُ فَإِذَا هُمْ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي الْمَعْرَكَةِ يَأْكُلُونَ عَلَى مَوَائِدَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَجَعَلْت أَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُمْ لِأَلْقَى زَوْجِي فَنَادَانِي يَا رَحْمَةُ يَا رَحْمَةُ فَيَمَّمْت الصَّوْتَ فَإِذَا أَنَا بِهِ فِي مِثْلِ حَالِ مَنْ رَأَيْت مِنْ الشُّهَدَاءِ وَجْهُهُ مِثْلُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَهُوَ يَأْكُلُ مَعَ رِفْقَةٍ لَهُ قُتِلُوا يَوْمَئِذٍ مَعَهُ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ إنَّ هَذِهِ الْبَائِسَةَ جَائِعَةٌ مُنْذُ الْيَوْمِ أَفَتَأْذَنُوا لِي أَنْ أُنَاوِلَهَا شَيْئًا تَأْكُلُهُ فَأَذِنُوا لِي فَنَاوَلَنِي كَسْرَةَ خُبْزٍ قَالَتْ وَأَنَا أَعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ خُبْزٌ وَلَكِنْ لَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ الثَّلْجِ وَاللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ وَأَلْيَنُ مِنْ الزُّبْدِ فَأَكَلْته فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي جَوْفِي قَالَ اذْهَبِي كَفَاكِ اللَّهُ مُؤْنَةَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَا حَيِيت فِي الدُّنْيَا فَانْتَبَهْتُ مِنْ نَوْمِي شَبْعَى رَيَّانَةً لَا أَحْتَاجُ إلَى طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ وَمَا ذُقْتُهُمَا مُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَى يَوْمِي هَذَا وَلَا شَيْئًا يَأْكُلُهُ النَّاسُ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَكَانَتْ تَحْضُرُنَا وَكُنَّا نَأْكُلُ فَتَأْخُذُ عَلَى أَنْفِهَا تَزْعُمُ أَنَّهَا تَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَةِ الطَّعَامِ فَسَأَلْتهَا تَتَغَذِّي بِشَيْءٍ أَوْ تَشْرَبِي شَيْئًا غَيْرَ الْمَاءِ فَقَالَتْ لَا فَسَأَلْتهَا هَلْ يَخْرُجُ مِنْهَا

الصفحة 49