كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 2)

وذهب جمهورٌ كثيرٌ إِلى أنَّ الحياة والمَوْتَ في الآية حقيقةٌ، لا أنها استعارةٌ، ثم اختلفوا في المُثُلِ التي فسَّروا بها.
فقال ابن مسعود: هي النُّطْفة، تخْرُج من الرجُلِ، وهي ميتة، وهو حيٌّ، ويخرج الرجلُ منْها، وهي ميتة «1» .
وقال عكرمة: هو إِخراج الدَّجَاجة، وهي حية، مِن البَيْضَة، وهي ميتة، وإِخراج البيضة، وهي ميتة من الدَّجَاجة، وهي حية «2» .
وروى السُّدِّيُّ، عن أبي مالكٍ، قال: هي الحبَّة تَخْرُجُ من السنبلةِ، والسنبلةُ تخرجُ من الحبَّة، وكذلك النَّوَاة «3» .
وقوله تعالى: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ ... الآية: هذا النهْيُ عن الاِتخاذِ، إِنما هو عن إِظهار اللُّطْفِ للكفَّار، والميلِ إِليهم، فأما أنْ يتخذوا بالقَلْب، فلا يفعل ذلك مؤمن، ولفظ الآية عامٌّ في جميع الأعصار.
واختلف في سَبَب نزولها، فقال ابنُ عَبَّاس: في كَعْبِ بْنِ الأَشْرَف وغيره، قد بطنوا بنَفَرٍ من الأنصار، ليفتنُوهم عن دِينِهِمْ، فنزلَتْ في ذلك الآيةُ «4» ، وقال قومٌ: نزلَتْ في قصَّة حاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وكتابِه إلى أهْل مكَّة «5» ، والآيةُ عامَّة في جميع هذا.
وقوله تعالى: فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ: معناه: في شيءٍ مَرْضِيٍّ كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ غَشَّنَا، فَلَيْسَ مِنَّا» «6» ، ثم أباح سبحانه إِظهار اتخاذهم بشرط الاِتقاءِ، فأما إِبطانه، فلا يصحُّ أن يتصف به مؤمنٌ في حالٍ.
وقوله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ ... إلى آخر الآية: وعيد وتنبيه ووعظ وتذكير بالآخرة.
__________
(1) أخرجه الطبري (3/ 223) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 385) ، والبغوي في «تفسيره» (1/ 291) .
(2) أخرجه الطبري بنحوه في «تفسيره» (3/ 224) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (1/ 291) ، وابن عطية (1/ 418) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 27) بنحوه، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن عكرمة.
(3) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 418) .
(4) ذكره ابن عطية (1/ 419) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 28) . [.....]
(5) ذكره ابن عطية (1/ 419) .
(6) تقدم تخريجه.

الصفحة 29