كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 2)

أحدهما: مَنْ ينصرنِي فِي السَّبيل إلى اللَّه.
والثاني: أنْ يكون التقديرُ: مَنْ يضيفُ نُصْرته إلى نصرة اللَّهِ لِي، فإلى دَالَّة على الغاية في كِلاَ التقديرَيْن، وليس يُبَاحُ أنْ يُقَالَ: «إلى» بمعنى «مع» كما غلط في ذلك بَعْضُ الفقهاءِ في تَأْويلِ قوله تعالى: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ [المائدة: 6] ، فقال: «إلى» بمعنى «مَعَ» ، وهذه عُجْمَة.
والحواريُّون قَوْمٌ مرَّ بهم عيسى صلّى الله عليه وسلّم، فدَعَاهم إلى نصرِهِ واتباع ملَّته، فأجَابوه، وقَامُوا بذلك خَيْرَ قيامٍ، وصَبَرُوا في ذاتِ اللَّه، واختلف، لِمَ قِيلَ لهم حواريُّون؟ فقال ابنُ جُبَيْرٍ:
لبياضِ ثيابِهِمْ «1» ، وقال أبو أرْطاةَ: لأنَّهم كانوا قَصَّارِينَ يَحُورُونَ الثِّياب، أيْ: يبيِّضونها «2» ، وقال قتادة: الحواريُّون: أصفياء الأنبياء الَّذِينَ تَصْلُحُ لهم الخلافةُ «3» ، وقال الضَّحَّاك نحوه «4» ، قال ع «5» : وهذا القولُ تقريرُ حالِ القومِ، وليس بتَفْسِيرِ اللَّفْظَة، وعلى هذا الحدّ شبه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ابن عَمَّتِهِ بِهِمْ في قوله: «وَحَوَارِيِّي الزُّبَيْرُ» .
والأقوال الأَوَلُ هي تفسيرُ اللفظة إذ هي من الحَوَر/، وهو البَيَاضُ، حَوَّرْتُ الثَّوْبَ: بَيَّضْته ومنْه الحُوَاري، وقد تسمِّي العرب النِّسَاءَ السَّاكِنَاتِ في الأمْصَارِ:
الحَوَارِيَّاتِ لغلبة البَيَاض علَيْهِنَّ ومنه قول أبي جلدة اليشكريّ «6» : [الطويل]
__________
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 285) برقم (7120) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 395) ، وابن عطية في «تفسيره» (1/ 442) .
(2) أخرجه الطبري (3/ 285) برقم (7121) وذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 442) .
(3) أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 285) برقم (7122) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (1/ 306) ، وابن عطية في «تفسيره» (1/ 442) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (2/ 63) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(4) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 442) .
(5) ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 442) .
(6) أبو جلدة بن عبيد الله اليشكري، من بني عدي بن جشم، من يشكر، شاعر نعته ابن قتيبة ب «الخبيث» ، كان مولعا بالشراب، من أهل «الكوفة» . خرج مع ابن الأشعث (عبد الرّحمن بن محمد) وقتله الحجاج، وقيل: مات في طريق «مكة» . له شعر وأخبار، وكان يهاجي زيادا الأعجم، وفي حماسة ابن الشجري قصيدة له في تحريض أهل العراق على الثورة بعد قيام ابن الأشعث على الحجاج. ينظر:
«الأعلام» (2/ 133) .

الصفحة 49