كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 2)
يبحث عن الشرْعِ الآمِرِ بتوحيدِ اللَّهِ تعالى، وينظر في الأَدلَّة المنصوبة على ذلك بحسب إيجاب الشرعِ النَّظَرَ فيها، ويؤمنَ، ولا يَعْبُدَ غير اللَّه، فمَنْ فَرَضْناه لم يجدْ سبيلاً إلى العلْمِ بشرعٍ آمِرٍ بتوحيد اللَّهِ، وهو مع ذلك لم يَكْفُرْ، ولا عَبَدَ صنماً، بل تخلى، فأولئك أَهْلُ الفَتراتِ الذين أَطْلَقَ عليهم أهل العلْمِ أنهم في الجَنَّة، وهم بمنزلةِ الأطفالِ والمجانينِ، ومَنْ قَصَّرَ في النظر والبَحْث، فعبد صنماً أو غيره، وكَفَرَ، فهو تاركٌ للواجب عليه، مستوجِبٌ للعقاب بالنَّار، فالنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قَبْلَ مبعثِهِ ومَنْ كان معه مِنَ النَّاس وقَبْلَه- مخاطَبُونَ على أَلْسِنَةِ الأنبياء قَبْلُ بالتوحيد، وغيرُ مخاطبين بفُرُوعِ «1» شرائعهم إذ هي مختلفةٌ، وإذ لم يدعهم إليها نبيٌّ قال/ الفَخْر «2» : واحتجَّ العلماءُ بهذه الآية على أن محمداً صلّى الله عليه وسلّم أَفْضَلُ من جميع الأنبياءِ- عليهم السلام- وتقريره: أنا بيَّنَّا أنَّ خصال الكمالِ وصفاتِ الشَّرَفِ كانَتْ مفرَّقة فيهم، ثم إنه تعالى، لمَّا ذكر الكل، أمر محمدا صلّى الله عليه وسلّم أنْ يجمع من خصال الطاعة والعبوديَّة والأخلاقِ الحميدة كُلَّ الصفاتِ التي كانَتْ مفرَّقة فيهم بأجمعهم، ولمَّا أمره اللَّه تعالى بذلك، امتنع أنْ يقال: إنه قصَّر في تحصيلها فثبت أنه حَصَّلها، ومتى كان الأمر كذلك، ثبت أنه اجتمع فيه مِنْ خصال الخَيْر ما كان فيهم مفرَّقاً بأسرهم، ومتى كان الأمر كذلك، وجب أنْ يقال: إنه أفضلهم بكلِّيَّتهم واللَّه أعلم. انتهى.
وقرأ حمزة «3» والكسائيُّ: «فَبِهُدَاهُمُ اقتد» - بحذف الهاءِ في الوَصْل، وإثباتها في الوَقْف-، وهذا هو القياسُ شبيهة بألفِ الوَصْل في أنها تُقْطَعُ في الابتداء، وتَسْقُط في الوصل.
وقوله سبحانه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً، أي: قل لهؤلاء الكفرة المعاندين: لا أسألكم على دعائي إياكم بالقُرآن إلى عبادة اللَّه تعالى- أُجْرَةً إن هو إلا موعظة وذكرى
__________
(1) ينظر: «البحر المحيط» للزركشي (3/ 36) ، «التمهيد» للأسنوي ص (364) ، و «نهاية السول» له (1/ 359) ، «زوائد الأصول» (ص 179) ، «منهاج العقول» للبدخشي (1/ 203) ، «التحصيل من المحصول» للأرموي (1/ 321) ، «المنخول للغزالي» ص (31) ، «الإبهاج» لابن السبكي (1/ 177) ، «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (1/ 285) ، «تخريج الفروع على الأصول» للزنجاني (ص 98) ، «كشف الأسرار» للنفسي (1/ 137) ، «شرح التلويح على التوضيح» لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (1/ 213) ، «نسمات الأسحار» لابن عابدين (ص 60) ، «ميزان الأصول» للسمرقندي (1/ 304) ، «البرهان في أصول الفقه» (1/ 107) ، «أصول الفقه» لمحمد أبي النور زهير (1/ 184) .
(2) ينظر: «تفسير الرازي» (13/ 58) . [.....]
(3) وحجة الباقين بإثبات الهاء في الوصل أنها مثبتة في المصحف، فكرهوا إسقاط حرف من المصاحف.
ينظر: «حجة القراءات» (260) ، و «السبعة» (262) ، و «الحجة» (3/ 350، 351) ، و «إعراب القراءات» (1/ 164) ، و «العنوان» (91) ، و «إتحاف» (2/ 21) .
الصفحة 491
539