كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 2)
[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 97]
إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)
وقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى، هذا ابتداءُ تنبيهٍ على العبرة والنظَرِ، ويتصلُ المعنى بما قبله لأن المقصد أنَّ اللَّه فالقُ الحبِّ والنوى لا هذه الأصنامُ، قال قتادة وغيره: هذه إشارة إلى فعل اللَّه سبحانه في أنّ يشُقَّ جميع الحَبِّ عن جميع النباتِ الذي يكُونُ منه، ويشُقُّ النوى عن جميع الأشجار الكائِنَة مِنه «1» .
وقوله: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ... الآية: قال ابن عباس وغيره: الإشارة إلى إخراج الإنسان الحيِّ من النطفة الميِّتة، وإخراج النطفة الميِّتة من الإنسان الحيِّ «2» ، وكذلك سائرُ الحيوان من الطَّير وغيره، وهذا القول أرجح ما قيل هنا.
وقوله سبحانه: ذلِكُمُ اللَّهُ ابتداء وخبَرٌ متضمِّن التنبيه، فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ، أي:
تصرفون وتصدّون، وفالِقُ الْإِصْباحِ، أي: شاقّه ومظهره، والفلق: الصبح، وحُسْباناً: جمع حسابٍ، أي: يجريان بحسَابٍ، هذا قول ابنِ عباس «3» وغيره، وقال مجاهد «4» في «صحيح البخاريِّ» : المرادُ بحُسْبَان كحسبان الرحى، وهو الدَّوْلاَب والعُودُ الذي عليه دَوَرانه.
وقوله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ... الآية: هذه المخاطبةُ تعمُّ المؤمنين والكافرين، والحُجَّةُ بها على الكافرين قائمةٌ، والعبرة بها للمؤمنين متمكّنة.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 98 الى 99]
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)
__________
(1) أخرجه الطبري (5/ 275) رقم (13586) ، بنحوه، وذكره البغوي (2/ 117) بنحوه، وذكره ابن عطية (2/ 325) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 61) ، وعزاه لعبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن قتادة بنحوه.
(2) أخرجه الطبري (5/ 277) برقم (13598) بنحوه، وذكره ابن عطية (2/ 325) . [.....]
(3) أخرجه الطبري (5/ 279) رقم (13609، 13610) بنحوه وذكره ابن عطية (2/ 326) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 62) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس بنحوه.
(4) ذكره ابن عطية (2/ 326) .
الصفحة 498
539