كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 2)
وقوله سبحانه: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ... الآية: مَنْ:
شرط، ويَشْرَحْ جوابُ الشرط.
والآيةُ نصٌّ في أن اللَّه تعالى يريدُ هدى المؤمن، وضلالَ الكافر، وهذا عند جميعِ أهْل السنَّة بالإرادةِ القديمةِ التي هي صفةُ ذاته تبارك وتعالى، والهدى هنا: هو خَلْق الإيمان في القَلْبِ، وشَرْحُ الصدرِ: هو تسهيلُ الإيمان، وتحبيبُه، وإعدادُ القَلْبِ لقبولِهِ وتحصيلِهِ، والصَّدْر: عبارةٌ عن القلب، وفي يَشْرَحْ ضمير يعود على اسم اللَّهِ عزَّ وجلَّ/ يَعْضُدُهُ اللفظ والمعنى، ولا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، والقولُ بأنه عائدٌ على «المَهْدِيِّ» - قولٌ يتركَّب عليه مذهب القَدَريَّة في خَلْق الأعمال، ويجبُ أن يُعتقد ضَعْفُهُ، والحَذَرُ منه، ورُوِيَ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم «أنه لَمَّا نزلَتْ هذه الآية، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُشْرَحُ الصَّدْرُ؟ قَالَ: إذَا نَزَلَ النُّورُ فِي القَلْبِ، انشرح لَهُ الصَّدْرُ، وانفسح، قَالُوا: وَهَلْ لِذَلِكَ عَلاَمَةٌ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: نَعَمِ، الإنَابَةُ إلَى دَارِ الخُلُودِ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ، والاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ، قَبْلَ المَوْتِ» ، والقول «1» في قوله: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ كالقول في قوله: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ، وقرأ حمزة وغيره: «حَرَجاً» - بفتح الراء-، وروي أن عمر بن الخطاب (رضي اللَّه عنه) قرأها يوماً بفتح الراء، فقرأها له بعضُ الصَّحابة بكَسْر الراء، فقال: ابغوني رجُلاً من كِنَانَةَ، وليكنْ رَاعياً، وليكُنْ من بني مدلج، فلما جاء، قال له: يَا فتى، مَا الحَرِجَةُ عنْدَكُمْ؟ قال الشَّجَرَةُ تكُونُ بَيْن الأشجار لا تَصِلُ إليها راعيَةٌ ولا وَحْشِيَّة، قال عمر: كذلِكَ قَلْبُ المنافق لا يَصِلُ إليه شَيْءٌ من الخير «2» .
وقوله سبحانه: كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ، أي: كأنَّ هذا الضّيّق الصّدر متى حاول
__________
(1) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 83) عن ابن مسعود. وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والحاكم، والبيهقي في «الشعب» وعزاه إلى عبد بن حميد، عن الفضيل بنحوه. [.....]
(2) أخرجه الطبري (5/ 337) برقم (13865) ، وذكره البغوي (2/ 129) وابن عطية (2/ 343) ، وابن كثير (2/ 175) ، والسيوطي (3/ 84) وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبي الشيخ عن أبي الصلت الثقفي، عن عمر بن الخطاب.
الصفحة 515
539