كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 2)
القرى، وبِظُلْمٍ: يحتمل معنيين:
أحدهما: أنه لم يكُنْ سبحانه لِيُهْلِكَهم دون نِذَارة، فيكون ظُلْماً لهم، واللَّه تعالى ليس بظلاَّم للعبيد.
والآخر: أنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ لم يُهْلِكْهم بظلمٍ واقعٍ منهم دون أنْ ينذرهم، وهذا هو البيِّن القويُّ، وذكر الطبري (رحمه اللَّه) التأويلين.
وقوله سبحانه: وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ... الآية: إخبارٌ من اللَّه سبحانه أنَّ المؤمنين في الآخرة على درجاتٍ من التفاضُل بحَسَب أعمالهم، وتفضُّل المولى سبحانه عليهم، ولكنْ كلٌّ راضٍ بما أعطِيَ غايةَ الرضا، / والمشركون أيضاً على دركاتٍ من العذابِ، قلتُ: وظاهر الآية أن الجنَّ يثابون وينالُونَ الدَّرَجَاتِ والدَّرَكَاتِ، وقد ترجم البخاريُّ على ذلك، فقال: ذِكْر الجنِّ وثَوَابِهِم وعقابِهِم لقوله تعالى: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ...
الآية، إلى قوله: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ، قال الداوديّ: قال الضحاكُ: مِنَ الجنِّ مَنْ يدخل الجنَّة، ويأكل ويشرب «1» . انتهى.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 135]
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)
وقوله سبحانه: وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَّا يَشاءُ الآيةُ متضمِّنةٌ وعيداً وتحذيراً من بطْشِ اللَّه عزَّ وجلَّ في التعجيل بذلك، وإمَّا مع المُهْلَة ومرورِ الجَدِيدَيْن فذلك عادته سبحانه في الخَلْق بإذهاب خَلْقِ واستخلاف آخرين.
وقوله سبحانه: إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ، هو من الوعيدِ بقرينة: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ، أي: وما أنتم بناجين هَرَباً فتعجزوا طالبكم، ثم أمرَ سبحانَه نبيَّه- عليه السلام- أنْ يتوعدَّهم بقوله: اعْمَلُوا، أي: فسترون عاقبةَ عملكم الفاسدِ، وصيغةُ «افعل» هنا: هي بمعنى الوعيد والتهديد، وعَلى مَكانَتِكُمْ: معناه: على حالكم وطريقتكم، وعاقِبَةُ الدَّارِ، أي: مآل الآخرة، ويحتمل مآل الدنيا بالنصر والظهور، ففي الآية إعلام بغيب.
__________
(1) ذكره السيوطي (3/ 87) ، وعزاه لابن المنذر، وأبي الشيخ في «العظمة» عن الضحاك.
الصفحة 519
539