كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 2)
عزَّ وجلَّ، وفيها ردٌّ على من قال بأن المرء يَخْلُقُ أفعاله، وقوله: فَذَرْهُمْ: وعيدٌ محضٌ.
وقوله سبحانه: وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها الآيةُ تتضمَّن ما شرعوه لأنفسهم والتزموه على جهة القربة كذباً منهم على الله سبحانه، وحِجْرٌ: معناه: التحجيرُ، وهو المنعُ والتحريمُ، وَأَنْعامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا: قال جماعةٌ من المفسِّرين: إنَّهم كانت لهم سُنَّة في أنعامٍ مَّا ألاَّ يُحَجُّ عليها، فكانَتْ تُرْكَبُ في كلِّ وجه إلا في الحَجِّ، وقالت فرقة: بل ذلك في الذبائحِ، جعلوا لآلهتهم نصيباً منها لا يذكرون الله على ذبحها.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 139 الى 140]
وَقالُوا مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (140)
وقوله سبحانه: وَقالُوا مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا ... الآية: كان/ مِنْ مذاهبهم الفاسدةِ في بَعْض الأنعامِ أنْ يحرِّموا ما وَلَدَتْ على نسائهم، ويخصِّصونه لذُكُورهم، ف أَزْواجِنا: يراد به جماعةُ النساءِ التي هِيَ معدَّة أن تكون أزواجاً قاله مجاهد «1» ، وقوله: وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً، يعني: أنه كان من سُنَّتهم أنَّ ما خرج من الأجنَّة ميتاً مِنْ تلك الأنعام الموقوفة، فهو حلالٌ للرجال والنساء جميعاً، وكذلك ما مات مِنَ الأنعامِ الموقوفةِ نَفْسِها، ثم أعقب تعالى بوعيدهم على ما وصفوا أنه من القربات.
وقوله سبحانه: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ ... الآية: تتضمَّن التشنيع بسوء فعلهم، والتَّعْجيبَ مِنْ سوء حالهم فيما ذَكَر، قال عكرمة: وكان الوَأْدُ في رَبِيعَةَ وفِي مُضَرَ «2» .
قال ع «3» : وكان جمهورُ العرب لا يفعله، ثم إنَّ فاعليه كان منهم مَنْ يفعله
__________
(1) أخرجه الطبري (5/ 358) برقم (13944) ، وذكره البغوي (2/ 134) ، وابن عطية (2/ 352) ، والسيوطي (3/ 90) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن مجاهد.
(2) أخرجه الطبري (5/ 360) برقم (13953) ، وذكره البغوي (2/ 134) ، وابن عطية (2/ 352) ، والسيوطي (3/ 91) ، وعزاه لابن المنذر، وأبي الشيخ عن عكرمة.
(3) ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 352) .
الصفحة 521
539