كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 2)

قال ص: وَهُمْ يَعْلَمُونَ: جملةٌ حاليَّةٌ. اهـ.
ثم ردَّ اللَّه تعالى في صَدْر قولهم: لَيْسَ عَلَيْنا بقوله: بَلى أي: عليهم سبيلٌ، وحُجَّةٌ، وتِبَاعَةٌ، ثُمَّ أخبر على جهة الشرط أنَّ مَنْ أوفى بالعَهْد، واتقى عقُوبةَ اللَّهِ في نَقْضه، فإنه محبوبٌ عند اللَّه.
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ ... الآية: آية وعيدٍ لمن فعل هذه الأفاعيل إلى يوم القيامة، وهي آية يدخُلُ فيها الكُفْر فما دونه من جَحْد الحَقِّ وخَتْرِ «1» المواثيقِ، وكلٌّ يأخذ من وعيدها بحَسَب جريمتِهِ.
قال ابنُ العربِيِّ في «أحكامه» «2» : وقد اختلف الناسُ في سَبَب نزول هذه الآيةِ، والذي يصحُّ من ذلك: أنَّ عبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ حَلَفَ يَمِينَ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امرئ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ، وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ:
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا ... الآية، قال: فجاء الأشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابن عَمٍّ لِي، وفِي رِوَايَةٍ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ اليهود أرض، فجحدني، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» ، قُلْتُ: إذَن يَحْلِفَ، يَا رسول الله، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وذَكَرَ الحديث «3» . اهـ.
وقوله تعالى: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ ... الآية: يَلْوُونَ: معناه:
يحرِّفون ويتحيَّلون لتبديل المعانِي من جهة اشتباه الألفاظ، واشتراكها، وتشعّب
__________
(1) الختر: شبيه بالغدر والخديعة، وقيل: هو الخديعة بعينها، وقيل: هو أسوأ الغدر وأقبحه، وفي التنزيل العزيز: كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ [لقمان: 32] . ينظر: لسان العرب» (1099) .
(2) ينظر: «أحكام القرآن» (1/ 277- 278) .
(3) أخرجه البخاري (5/ 280) ، كتاب «الشهادات» ، باب اليمين على المدعى عليه، حديث (2669، 2670) ، ومسلم (1/ 122- 123) كتاب «الإيمان» ، باب من اقتطع حق امرئ مسلم بيمين فاجرة، حديث (220/ 138) ، وأبو داود (4/ 41) كتاب «الأقضية» ، باب إذا كان المدعى عليه ذميا، حديث (3621) ، والترمذي (5/ 224) كتاب «التفسير» باب (4) حديث (2996) ، وابن ماجة (2/ 778) كتاب «الأحكام» ، باب البينة على المدعي، حديث (2322) .
والحميدي (1/ 53) رقم (95) ، والطيالسي (1/ 246) رقم (1216) ، وأبو عوانة (1/ 38- 39) باب بيان الأعمال التي يستوجب فاعلها عذاب الله، وأبو يعلى (9/ 50- 51) رقم (5114) ، والبيهقي (10/ 178) كلهم من طريق أبي وائل عن ابن مسعودٍ قال: قال رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم: «من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان» فقال الأشعث بن قيس: فيّ والله كان ذلك.

الصفحة 64