كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 2)

الحجج هي؟! فهي معروفةٌ محصورة، ومن أيِّ أجناسِ الأدِلّة؟! فهي مذكورة مشهورة، وهي: العقلُ والكتابُ والسُّنة والإجماعُ، والقياسُ، والاستدلال، فأخبرنا عن هذه الحجةِ المسجوعةِ أَمِنَ الحُجَجِ المعقولةِ أم مِنَ الحُجَجِ المسموعةِ؟ وإن كانت من المعقولات، فَبيِّن لنا كيفَ يأتي تركيبُها في البُرهان؟! وَزِنها لنا بذلك الميزان، وبيِّن لنا المحمولَ والموضوعَ (¬1) والمقدمتين الصغرى والكبرى، والحدَّين الأصغر والأكبر، ووسط البُرهان المُسمّى بالحد المتكرر، واجتماع شرائط الإنتاج من إيجاب الصغرى، وكُلية الكبرى، وجوازِ سلب الكبرى، ومنع جزئيتها (¬2).
وإن كانت مِن الحُجَجِ السَّمعِيَّةِ، فَمِنَ المعلومِ أنها ليست مِنَ النصوصِ القرآنية، ولا من الأخبار النبوية، ولا مِن المسائل الإجماعية، ولا مِن المسَالِكِ الاستدلالية، ولم يبق إلا أن تكونَ مِن المسائل القياسية، فيجبُ مِن السَّيِّد -أيَّدَه اللهُ- أن يُبَيِّنَ لنا الأصلَ المقيسَ عليه، والعلةَ الجامعةَ بينَهما، ووجودَ العِلَّةِ في الفرع، وبيانَ الطريقِ إلى صِحة عِلِّيَّتها: هَلْ مِنْ قبيلِ المناسباتِ العقلية، أو النصوص الجلية، أو الإشارات الخفية إلى غير ذلك من
¬__________
(¬1) كل جملة تدل على معنى يَحْسُنُ السكوتُ عليه، ويتطرق إليه التصديقُ والتكذيبُ تتألف من ركنين أساسيين لا بُدَّ منهما، يسمي النحويون أحدَهما مبتدأ والآخر خبراً، ويسمِّي المتكلمون أحدَهما وصفاً والآخر موصوفاً، ويسمي المنطقيون أحدَهما موضوعاً، والآخر محمولاً، ويسمِّي الفقهاء أحدَهما حكماً والآخر محكوماً عليه، ويسمِّي البلاغيون أحدهما مسنداً والآخر مسنداً إليه.
(¬2) هذه الأشياءُ التي ذكرها المصنف هي من اصطلاحات علم المنطق الصوري يراجع فيها كتاب " معيار العلم " للإمام الغزالي لفهم ما ترمي إليه.
وللمؤلف وغيرِه من علماء المسلمين الأفذاذ نقدٌ لهذا المنطق، وبيان فساد كثير من قضاياه، واستنباط منطق جديد من القرآن والسنة الصحيحة. أذكر منها " الرد علي المنطقيين " لشيخ الإسلام ابن تيمية، و" صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام " لجلال الدين السيوطي، و" نقد مفكري الإسلام للمنطق الأرسططالي " لعلي سامي النشار، و" ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان " للمؤلف ابن الوزير.

الصفحة 19