كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 2)

المتساهلين، وقد اشتد فرَحُهُ بالإِسلام، ولما رأى الوجهَ الكريم النبوي عليه السلام، عَظُمَت مسرَّتُهُ بذلك، فأعتق عبداً له لم يكن يملِكُ سِواه.
وقد روى الذهبيُّ أن رجلين اختلفا في مسألة، فاحتج أحدُهما بحديثِ أبي هُريرة، فقال الآخر ما معناه: إنَّه لا يحتج بحديث أبي هريرة، فخرجت عليه حيَّةٌ عظيمة، فهرب منها، وهي تتبعُه فقالت له الجماعة: اسْتَغْفِر اللهَ وتُب إليه، فاستغفر الله من كلامه في أبي هريرة، فانْصَرَفَتْ عنه. إسنادها أئمة (¬1)، وهذا معنى لفظِه، ولم يَحْضُرْنِي كتابُه، فأنقلَ لفظه إلى ذلك.
قال الذهبي: وقد اعتمدَتِ الصحابةُ على حديث أبي هُريرة في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها (¬2).
قلتُ: من أراد معرفة هذا الصاحب فلُيطالع سيرته في كتاب " النبلاءِ " (¬3) وغيره من كتب الصحابة التي قدمت ذكرَها، وإنما ذكرتُ هذه النكتة، لأنَّه قد ذكر في ذلك خلافٌ لا يلتفت إليه، ولا يُعَوَّلُ عليه.
فإن قيل: قد اتُّهِم أبو هريرة بكثرة الرواية حتى قال له عمر: لئن لم تُقْلِلْ مِن الرِّوايةِ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لألْحِقَنَّك بجبالِ دوسٍ.
قلنا: هذا لا يصح (¬4)، ولو صح لم يكن فيه حُجَّةٌ على جرح أبي
¬__________
(¬1) " سير أعلام النبلاء " 2/ 618 - 619.
(¬2) " السير " 2/ 620، وحديثه في " الموطأ " 2/ 532، والبخاري (5109) ومسلم (1408) وسيأتي في الصفحة 54.
(¬3) 2/ 578 - 632.
(¬4) بل قد صح، فقد رواه أبو زرعة الدمشقي في " تاريخه " (1475) من طريق محمد ابن زرعة الرعيني، حدثنا مروان بن محمد، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن السائب بن يزيد، سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو لألحقنك بأرض دوس، وقال لكعب: لتتركن الأحاديث أو لألحقنك =

الصفحة 40