كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 2)

الكلام والأصول، ورويا الحديثَ عن أئمة المخالفين في الاعتقاد وقد أوضحتُ ذلك في غير هذا الموضع، وهو بَيِّنٌ في " أمالي " السَّيِّد أبي طالب، و" شرح التجريد " للمؤيد، وأكبرُ شيوخ أبي طالب ابنُ عدي صاحب كتاب " الكامل " في الجرح والتعديل، وأكبرُ شيوخ المؤيد ابنُ (¬1) المقرىء، وكلا هذين الشيخين على مذهب المحدثين في الاعتقاد، وإنما أهْلُ الحديثِ كَقُرَّاءِ كتابِ الله أوعيةٌ لعلم السمع، خلقهم اللهُ تعالى لحفظه، وحَبّبَ إليهم ضبطَه، كما حَفِظَ كُلَّ نوع كل من العلوم، ومصالِح الدين والدنيا بقومٍ خلقهم له، ولا يَضُرُّ الحديث غلطُ حملتِهِ في العقائد كما لا يَضُرُّ القرآنَ غلطُ القراء في ذلك، فإنما هُمْ أوعيةٌ والعيبُ المختص بالوعاء لا يسوي إلى المحفوظ فيه من الأُمور النفيسة، فإن الكاغدَ والجلدَ أوعيةُ القرآن والسنن، وقد يكونُ فيها الغاليَ والرخيصَ، والسالمَ مِن العيوب والمعيب، وكثرةُ المحبة للقدح في حَملَةِ العلم النبوي والولع بذلك مِن سوء الأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن ذلك يكونُ وسيلةً إلى بُطلان حديثِهِ - صلى الله عليه وسلم -، لأنَّه إذا بَطَلَ حديثُ أهلِ العِنايةِ بالحديثِ، فحديثُ غيرهم أبطلُ، كما أنَّه إذا قُدِحَ في حفظ النحاة واللغويين للعربية، كان قدحاً فيها مطلقاً، إذ لا يُرجى لها طريقٌ غيرُ طريقهم، ومن هنا قال الحاكمُ أبو عبد الله مُحِبٌّ أهلِ البيت، ورأسُ التشيع في عصره، فقال في خطبة كتابه " علوم الحديث " (¬2) ما لفظه: ليس شيء أثقلَ على أهل الإلحاد، ولا أبغضَ إليهم مِن سماع الحديث وَمِنْ روايته بإسناده، وعلى هذا عَهِدْنا (¬3) في أسفارنا وأوطاننا كُلَّ من يُنْسَبُ إلى نوعٍ من الإلحاد والبِدَعِ
¬__________
(¬1) ساقطة من (ب)، وفي (ج) و (ش): اسمه محمد بن إبراهيم بن المقرىء.
(¬2) ص 4.
(¬3) في (ب): شهدنا.

الصفحة 436