كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 2)

فيهم أوضح، فكذلك هُنالك.
الوجه الرابع: أن قواعدَ العلم المتفق عليها تقتضي أن لا يُقبل المتعارضان معاً، ولا يَصِحُّ ذلك، وقد تعارض الثناء على أبي هريرة والذَّمُّ له، أما الثناءُ عليه، فإنه قد دخل في الثناء مِنَ الله عزَّ وجلَّ على الصحابة، وأثنى عليه غيرُ واحد مِن السَّلَف والخلف كما تبين في ترجمته من كتب الرِّجال بالأسانيد المعروفة حتى أثنى عليه أئمةُ علمِ الرجال في الحديث مِن الشيعة كالحاكِمِ والنسائي، وابنِ عُقدة وغيرهم، وصححوا أحاديثَهم ودوَّنوها في كتبهم، وكذلك مَنِ احتجَّ بحديثِه مِن أهل البيتِ عليهم السلامُ والفقهاء كما يَعْرِفُ ذلك مَنْ طالع فِقْهَهُمْ، وأدِلَّتهم فيها، ويأتي قريباً التنبيهُ على ذلك بذكر طرفٍ منه يسير.
وأما المعارضُ لهذا، فجاء مقطوعاً كولدِ الزِّنى الذي لا يُعْرَفُ له أب مِن طريق غيرِ وافية بشروط الصحة عن الإسكافي، وكان بغداديّاً لا يقولُ بأخبار الثقات دَعْ عنك غيرَها، ومَقْصِدُه في كلامه القدحُ في الأخبار بالجملة، وسدُّ باب الرواية لو صح ذلك عنه، فلا بُدَّ على الإنصافِ مِنْ معرفة رواة جرح أبي هريرة والموازنة بين كل واحد منهم وبين أبي هريرة، فإن كان فيهم واحد دون أبي هريرة في فضله ونُبله لم يُصَدَّقْ على مَنْ هو خيرٌ منه، وإلا لَزِمَ فيه ترجيحُ المرجوحِ على الراجح، وهو على خلاف المعقولِ والمنقول.
فقِسِ القَدْحَ في الأكابرِ على هذا، وقد أشرتُ إلى هذه النُكتة في علوم الحديث، وأوضحتها فخذها من هنالك (¬1).
وقد قَدَح الإمامُ المؤيَّدُ باللهِ عليه السلامُ بعدمِ الإسنادِ في كتاب "إثبات
¬__________
(¬1) انظر " توضيح الأفكار " 2/ 161 - 167.

الصفحة 50