كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 2)

بأولئك المقدوحِ فيهم مع أبي هريرة، فكيف يَنْتَسِبُون إليهما، وَيَنْتَقِصُونَ مَنْ هو حُجَّةٌ لهما، وَقُدْوَةٌ عندهما.
ثم مِنْ عَدَمِ إنصاف صاحبِ ذلك الكلام المسند إلى الإسكافي، ولعله منه بريء أيضاً، فما يصلحُ إِلَّا لبعضِ أعداءِ الإسلام، فإنه ذكر القدحَ في أبي هُريرة، وغيرِه من خِيرة السَّلَفِ الصالح، وأفردَ القدحَ فيهم، ولو كان هذا من المسلمين، لأورد ما وَرد فيهم مِن جرح وتوثيق، وسمَّى مَنْ جَرحَهُمْ وَمَنْ وَثَّقهم حتى يتمكَّنَ الناظِرُ من الترجيح عند التعارض، كما هو شأنُ أهلِ كتب هذا الشأنِ من علماء الإِسلام.
وأما الزنادقةُ، فتراهم -إذا ذكروا أحداً مِن أئمة الإسلام الذين تملأ محاسِنَهم الدواوينُ، وتملّ حسناتِهم الكاتبون- لم يذكورا له إلاَّ ما لم يَصِحَّ مِن المساوىء والمثالبِ والفواحشِ المفتراة والمعايبِ، وليس العجبُ ممن يقدح في الأكابرِ مِن هؤُلاءِ الأسافلِ، ولله القائل:
وإذَا أتتْك مَذَمَّتِي مِنْ ناقِصٍ ... فَهي الشَّهَادَةُ لي بِأنِّي فَاضِلُ (¬1)
وإنَّما العَجَبُ مِن بلادةِ مَنْ يَسْبِقُ إلى عقله صِدْقُ أخسِّ الناسِ وَمَنْ خيرُ أحواله أن يكون مجهولاً في ذَمِّ خيرِ الناس بنصِّ كتاب الله تعالى، وشهادةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وَمَنْ أَدْنَى أحوالِه أن يكونَ على من جَرَحَهُ مِن الأراذِلِ مقدماً مقبولاً.
واعلم أنا قد جرَّبْنَا في أنفسنا، وَمَنْ عاصَرَنَا مِن الأئمة والفُضلاءِ كَذِبَ الكذَّابينَ عليهم، وَحسَدَ الحاسدينَ لهم، وهذه عادة مستمرة للأنجاس في
¬__________
(¬1) هو للمتنبي من قصيدة مطلعها:
لك يا منازل في القلوب منازل ... أقفرتِ أنتِ وهُنَّ منكِ أواهل
والرواية فيه: " كامل " بدل " فاضل " وكذلك هي في (ش).
انظر الديوان 3/ 249 بشرح العكبري.

الصفحة 56