كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 2)

منه يقولُ: إنَّ حِفْظَ المتونِ لَا يَجِبُ على المجتهدِ (¬1) مع توسُّعِه في نقلِ الخلافِ، فلم يَذْكُرْ خلافاً قطُّ. فدلَّ على براءَةِ الشَّافِعيِّ مما ذَكَرَهُ، على أنَّه قد نَقَلَ عن الغزاليِّ مثلَ ذلك، وهو مِن أئمة الشافعيةِ، فيَجبُ منه أن يُبَيِّنَ لنا نقلَه عن أيِّ ثقةٍ، أو مِن أيِّ كتابٍ، كما فعلنا، فإنَّه أبعدُ له عن التُّهْمَةِ، وأنفي عن صِمَةِ (¬2) الرِّيبَةِ.
الوجهُ الثالثُ: أن نقولَ: ما سببُ الاحتجَاجِ بقول الشافعيِّ وما تُرِيدُ بذلك؟ فإن أردتَ أن كلامَه حُجَّةٌ في الحلالِ والحرام، وقواعِدِ الإسلامِ، فهذا خِلافُ الإجماعِ، وإن أردتَ أن تُرَجِّحَ لنا تقْلِيْدَهُ في هذه المسألةِ، فما أَبْعَدَ مَا قَصَدْتَ في هذا المقالِ، فإنما وضعتَ رسالتَك لتحذيري مِن تقليدِ الفقهاءِ في فروعِهِم، والقدحِ عليهم في حديثِهم وعقائدِهم حتَّى شَكَّكتَ في اجتهادِ أبي حنيفةَ، وفي إسلامِ الشافعيِّ ومالكٍ، وقطعتَ بِكُفْرِ أحمدَ بنِ حنبلٍ جُراءةً وغُلُوّاً في التنفير عنهم، ثم أردتَ أن تحتجَّ علينا بما لم يَصِحَّ عنهم، كما تحتجُّ بكتابِ اللهِ حيثُ احتجْتَ إلى ذلك، فَدَارَ اختيارُك مع الهوى، ونسيتَ ما يمْنَعُ مِنْهُ الحَيَا والحِجا، وكان اللائقُ من السَّيِّد -أيَّده اللهُ- إذا لم يجِدْ حُجةً تَدُلُّ على ما اختاره مِن هذا القولِ أن لا يذهب إليه، فليس ثَمَّةَ ضرورةٌ تُلْجِئُهُ إلى اختيارِ هذا القولِ المهجورِ، ومخالفةِ المذهبِ المشهورِ المُصَحَّحِ المَنْصُورِ الذي نصَّ عليه العلماءُ، وَقَوَّاه الجمهورُ، والعدولِ عن ذلك
¬__________
= مقدمات وسبعة كتب، وقد طبع مفرداً ومع شرحه للمحلي، انظر ترجمته في " الدرر الكامنة " 2/ 425 - 428، و" حسن المحاضرة " 1/ 328 - 329، وانظر مقدمة التحقيق التي كتبها الطناحي والحلو لكتاب " طبقات الشافعية الكبرى " للسبكي هذا.
(¬1) نص كلامه في " جمع الجوامع " 2/ 422 - 423 بشرح المحلي وحاشية العطار: ومتعلق الأحكام من كتاب وسنة وإن لم يحفظ المتون.
(¬2) من وَصَمَ الشيء يصِمُه صمة: إذا عابه كوعد يعد عِدَة.

الصفحة 7