كتاب أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض (اسم الجزء: 2)
من منظوماته من أكيد أعمالنا؛ وكان تعلق بمحفوظنا جملة وافرة من كلامه، مشتملة على ما راق وحسن من نثاره ونظامه؛ فأضفنا ذلك إلى ما وقع عليه اجتهادنا من رقاعه، الحائلة المنتهبة بأيدي النوائب، الدائرة المستلبة بتعدي النواهب؛ فخلص من الجملة قلائد عقيان، وعقود در ومرجان؛ ترتاح النفوس النفيسة لإنشادها، وتحسد الأبصار الأسماع عند إيرادها؛ إلى ما يتخللها من تخليد مآثر سلفنا، والإشادة بعظيم ملكنا؛ فشرعنا في تقييد أوابدها الشارده، وإحياء رسومها البائدة؛ كلفا بالأدب؛ لوضوح فضله، وتأدية لما يجب من رعاية أهله.
ولنبدأ بالتعريف بحال هذا الرئيس المنبه عليه، ونظهرها ما كنا نضمره من الميل إليه، في كل ما له أو عليه، فنقول: هو الفقيه الكاتب، الفذ الأوحد، أبو عبد الله، محمد بن يوسف بن محمد ابن أحمد بن يوسف الصريحي، ويعرف بابن زمرك؛ أصله من شرق الأندلس، وسكن سلفه بالبيازين من غرناطة، وبها ولد؛ فنشأ ضئيلاً كالشهاب يتوقد، مختصر الجرم والأعين بإطالة فواضله تشهد، ومكتب الفئة القرآنية يؤثره بالجناب الممهد، فاشتغل أول نشأته بطلب العلم، والدؤوب على القراءة، وأخذ نفسه بملازمة حلقات التدريس، ولم يبلغ حد وجوب المفترضات إلا وهو متحمل الرواية، وملتمس لفائد الدرايه، مصابح كل يوم أعلام العلوم، ومستهدٍ بمصابيح الحدود العلمية والرسوم. فافتتح أبواب الكتب النحوية بالإمام أبي عبد الله ابن الفخار، الآية الكبرى في فن العربية، وتردد الأعوام العديدة إلى قاضي الجماعة أبي القاسم الشريف؛ فأحسن الإصغاء، وبذ النحاة البلغاء، بما أوجب رثاءه عند الوقوف على ضريحه بالقصيدة الفريدة، التي أولها: