كتاب المعلم بفوائد مسلم (اسم الجزء: 2)

464 - قَوْلُ ابْنِ جُرَيجٍ لابْنِ عُمَرَ: "رَأيْتُكَ تَصْنَعُ أرْبَعًا لَمْ أرَ أحَدًا مِنْ أصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا، ثُمَّ ذَكَرَ مَسَّ الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ وَلُبْس النِّعَالِ السِّبْتِيَةِ" وغير ذلك مما في الحديث (ص 844).
قال الشيخ -وفقه الله-: يَحْتَمِلُ أنْ يُرِيدَ لاَ يَصْنَعُهَا غيرك مجتمعة وإن كان يصنع بعضها ثم سمى له علة فعله في الثلاث وأنه رأى النبيء - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك. ويحتمل أن يكون عليه السلام إنما خصّ هذين الركنين لأنهما على قواعد إبراهيم -عليه السلام- وترك الآخرين لمَّا قصرا عن قواعد إبراهيم.
وأما قوله: "رأيتك تصبغ بالصفرة" فقيل: المراد به صباغ الشعر، وقيل: صباغ الثوب. والأشبه أن يكون صَبْغَ الثياب لأنه أخبر إنما صبغ اقتداءً بالنبيء - صلى الله عليه وسلم - وهو -عليه السلام- لم يُذكر عنه أنه صبغ شعره. وأما إجابته لمَّا سأله عن تَأخِير إهلاله إلى يوم التروية بأنه لم يَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُهلّ حتى تنبعث به راحلته فإنه أجابه بضرب من القياس لَمَّا لم يتمكن له من فعل النبيء - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الشْيء بعينه ما تمكن في غيره مما سماه (¬17) له. وَوَجْه هذا القياس أنه لَمَّا رآه - صلى الله عليه وسلم - إنما أهلّ عند الشروع في الفعل أخّر أيضاً هو الإِهلال إلى يوم التروية الذي يُبتدأ فيه بأعمال الحج من الخروج إلى مني وغير ذلك.
وأما وجه اختيار غيره من العلماء لمن أحرم من مكة أن يُهلّ من أول العشر فإن ذلك ليحصل للمحرم من الشَّعث ما يساوي فيه من أحرم عن المواقيت.
وأما النعال السَّبتية فقال الأزهري (¬18): إنما سميت سِبتية لأن شعرها
¬__________
(¬17) في غير (أ) "مما سَمَّى".
(¬18) في (أ) "الهروي" والصواب ما أثبتناه لأن كلام الهروي ما يأتي بعدُ ويؤيد ذلك كلام النووي.

الصفحة 73