كتاب بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار (اسم الجزء: 2)

لا خِذَابَةَ لا خِذَابَةَ. رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَهُ.

2878- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ: هُوَ جَدِّي مُنْقِذُ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ رَجُلًا قَدْ أَصَابَتْهُ آمَّةٌ فِي رَأْسِهِ فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ، وَكَانَ لا يَدَعُ عَلَى ذَلِكَ التِّجَارَةَ، فَكَانَ لا يَزَالُ يُغْبَنُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «إذَا أَنْتَ بَايَعْتَ فَقُلْ: لا خِلابَةَ، ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا بِالْخِيَارِ ثَلاثَ لَيَالٍ، إنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْهَا عَلَى صَاحِبِهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَابْنُ مَاجَةْ وَالدَّارَقُطْنِيّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «لا خِلابَةَ» بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللامِ أَيْ: لا خَدِيعَةَ قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَقَّنَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا الْقَوْلَ لَيَتَلَفَّظَ بِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَيُطْلِعَ بِهِ صَاحِبَهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْبَصَائِرِ فِي مَعْرِفَةِ السِّلَعِ وَمَقَادِيرِ
الْقِيمَةِ، وَيَرَى لَهُ مَا يَرَى لِنَفْسِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ غَبْنٌ رَدَّ الثَّمَنَ وَاسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الشَّرْطِ هَلْ كَانَ خَاصًّا بِهَذَا الرَّجُلِ أَمْ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ مَنْ شَرَطَ هَذَا الشَّرْطَ فَعِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَالْمَنْصُورِ بِاَللَّهِ وَالإِمَامِ يَحْيَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الرَّدُّ لِكُلِّ مَنْ شَرَطَ هَذَا الشَّرْطَ، وَيُثْبِتُونَ الرَّدَّ بِالْغَبْنِ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ قِيمَةَ السِّلَعِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِ الْغَبْنِ فَاحِشًا وَهُوَ ثُلُثُ الْقِيمَةِ عِنْدَهُ، قَالُوا: بِجَامِعِ الْخَدْعِ الَّذِي لأَجْلِهِ أَثْبَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِذَلِكَ الرَّجُلِ الْخِيَارَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّمَا جَعَلَ لِهَذَا الرَّجُلِ الْخِيَارَ لِلضَّعْفِ الَّذِي كَانَ فِي عَقْلِهِ فَلا يَلْحَقُ بِهِ إلا مَنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ؛ وَلِهَذَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ إذَا غُبِنَ يَشْهَدُ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ ثَلاثًا فَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لا يَصِحُّ الاسْتِدْلال بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِكُلِّ مَغْبُونٍ وَإِنْ كَانَ صَحِيحَ الْعَقْلِ، وَلا عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِمَنْ كَانَ ضَعِيفَ الْعَقْلِ إذَا غُبِنَ وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ. انْتَهَى.

قَالَ الْمُوَفِّقُ فِي الْمُقْنِعِ: وَالثَّالِثَةُ الْمُسْتَرْسِلْ إِذَا غُبِنَ. قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ يَعْنِي إذَا غُبِنَ غبنًا يخرج عَنِ الْعَادَةِ يَثْبُتُ لُهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإِمْضَاءِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكُ: قَالَ ابْنِ أَبِي مُوسَى: وَقَد قِيلَ: قَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعَ وَلا

الصفحة 38