كتاب بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار (اسم الجزء: 2)

أَحَدُنَا لَيَطِيرُ لَهُ النَّصْلُ وَالرِّيشُ وَلِلآخَرِ الْقِدْحُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُ عَلَى الرَّجُلِ إذَا أَعْطَاهُ مَالًا مُقَارَضَةً يَضْرِبُ لَهُ بِهِ أَنْ لا تَجْعَلَ مَالِي فِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ، وَلا
تَحْمِلَهُ فِي بَحْرٍ، وَلا تَنْزِلَ بِهِ بَطْنَ مَسِيلٍ، فَإِنْ فَعَلْت شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ ضَمِنْت مَالِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: «أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ» . الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلالُهُ يَضَعُ، الْبَرَكَةَ لِلشَّرِيكَيْنِ فِي مَالِهِمَا مَعَ عَدَمِ الْخِيَانَةِ وَيَمُدُّهُمَا بِالرِّعَايَةِ وَالْمَعُونَةِ، وَيَتَوَلَّى الْحِفْظَ لِمَالِهِمَا.

قَوْلُهُ: «خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا» أَيْ: نَزَعْت الْبَرَكَةَ مِنْ الْمَالِ، زَادَ رَزِينٌ: «وَجَاءَ الشَّيْطَانُ» . وَرِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيّ: «فَإِذَا خَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ رَفَعَهَا عَنْهُمَا» . يَعْنِي: الْبَرَكَةَ.

قَوْلُهُ: (لا تُدَارِينِي وَلا تُمَارِينِي) أَيْ: لا تُمَانِعُنِي وَلا تُحَاوِرُنِي، وَفِي لَفْظٍ لأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَةْ (أَنَّ السَّائِبَ الْمَخْزُومِيَّ كَانَ شَرِيكَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ الْبِعْثَةِ، فَجَاءَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأَخِي وَشَرِيكِي لا تُدَارِي وَلا تُمَارِي) وَفِي لَفْظٍ: (أَنَّ السَّائِبَ قَالَ: أَتَيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَيَّ وَيَذْكُرُونَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِهِ» . فَقُلْت: صَدَقْت بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي كُنْت شَرِيكِي فَنِعْمَ الشَّرِيكُ لا تُدَارِي وَلا تُمَارِي) . وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ وَالرِّفْقِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا وَفِيهِ جَوَازُ السُّكُوتِ مِنْ الْمَمْدُوحِ عِنْدَ سَمَاعِ مَنْ يَمْدَحُهُ بِالْحَقِّ.

قَوْلُهُ: «مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ» قَالَ الشَّارِحُ: لَفْظُ الْبُخَارِيِّ: «مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَخُذُوهُ، وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَرُدُّوهُ» وَالْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فَيَصِحُّ الصَّحِيحُ مِنْهَا وَيَبْطُلُ مَا لا يَصِحُّ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا عَقَدَا عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَفِيهِ قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَتَبَايَعُ هَذَا الْبَيْعَ فَقَالَ: «مَا
كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَلا يَصْلُحُ» وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الشَّرِكَةِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَهُوَ إجْمَاعٌ، لَكِنْ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ

الصفحة 91