كتاب المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها (اسم الجزء: 2)

تعدد الزوجات، قبل أن تصل الأمم غير المسلمة إلى أعماق أعماقه. وكثيراً ما تُذيع الزراية والسخط عليه. بل تجد نظاماً أجمع الناس في أوربا على النيل منه، وتوكيل الظنون والأوهام به. كإجماعهم بذلك على ذلك النظام.
فالمؤرخون الأوربيون - وفيهم من عرف بالدقة والنفاذ في استقصاء الحقائق وتمحيص الحوادث - يرون ذلك نظام دعامة الإسلام، ومدعاة انتشار القرآن والهاوية البعيدة القرار، في سبيل نهوض المسلمين.
يقولون ذلك، ثم يتبعون ما يقولون بنوافر الكم عن حجاب المسلمات البائسات في كسور دورهن، يقوم بحراستهن، ويتولى رتاج أبوابهن جماعة من الحرس والخصيان غلاظ شداد، وقد يقتلن على غير إثم ولا جريرة، بغير هوادة ولا مرحمة، إذا صُرف عنهن أزواجهن إلى مَنْ سِواهن.
إن تصوير المرأة المسلمة بهذه الألوان القاتمة بريء من الحق. وسيعلم القارئ - إذا شاء أن يطرح عنها ظنونه وأوهامه قبل تلاوة البحث - أن تعدد الزوجات على مثل ما شرعه الإسلام من أفضل الأنظمة، وأنهضها بأدب الأمة التي تذهب إليه وتعتصم به، وأوثقها للأسرة عقداً، وأشدها لآصرتها أزراً وسبيله أن تكون المرأة المسلمة أسعد حالا، وأوجه شأناً، وأحق باحترام الرجل من أختها الغربية.
وقبل سياق الدليل على تلك الحقيقة الناطقة الناصعة أذكر للقارئ أن تعدد الزوجات لم يكن مُحْدَثات الإسلام. بل لقد كان ذائعاً بين أمم الشرق من فرس وعرب ويهود ومن سواهم. فإذا كانت الشعوب التي رضيت الإسلام ديناً قد أخذت به فلم يك ذلك بربح جديد نالته من ذلك الدين الجديد. وإنما هو أثر من تأثير البيئة وضرورة من ضرورات الجنس ونتيجة من نتائج احتكام الأحوال والأوساط عند الشرقيين.

الصفحة 58