كتاب المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها (اسم الجزء: 2)

يخرجن سوافر متبرجات فلا يؤْذَيَنَّها أرقّا الدين وفتيان المنافقين بتتبعها، أو التحرش بها. على ذلك عبَر جمهور نساء المسلمين، فكن يغدون لحاجاتهن، ويغشين المجالس، ويتصدرن الأندية، ويتناولن شتات أعمالهن، متنقبات غير متبرجات.
ومن النساء من فهمن الأمر على خصوصه فجلسن إلى الرجال سوافر محتشمات
لبعدهن عن منال الأذى ومجال الشبهات.
ومن فضليات هؤلاء سُكَيْنَة بنت الحسين بن علي رضى الله عنهم. فقد كانت برْزَةً تجلس إلى العلماء والأدباء والشعراء ولا تكاد تحتجب منهم.
ومنهن عائشة بنت طلحة لا تستر وجهها من أحد، وقد عاتبها في ذلك زوجها مصعب بن الزبير فقالت: إن الله وسمني بمِيسم جمال أحببت أن يراه الناس ويعرفوا فضله عليهم. فما كنت لأستره ووالله ما في وصمة يقدر أن يذكرني بها أحد.
على أن الإسلام حيال ذلك النصيب البالغ من الحرية أخذ على المرأة ألا تتشبه بالرجل فيما هو من خاصة أمره ولزام شأنه وهيئته وتبذله بين صحابته وخاصته. فقد لعن الله المترجلات من النساء كما لعن المخنَّثين من الرجال. أما تشبهها به في رأيه وعلمه فممدوح ومحمود. فقد كانت عائشة أم المؤمنين رَجْلة الرأي والعلم.
أما بعد فذلك رأي الإسلام والمسلمين في المرأة المسلمة وحريتها أتينا عليه، ولم نُفرط فيه، إنصافاً للتاريخ في قوم له من وضح دينهم، وسناء خلقهم، وشرف نفوسهم، ورجاحة عقولهم، وجدَّ حياتهم، حُجُبٌ لا تنالها الأوهام، ولا تهتكها الأيام، وعصمة لا تتقي الحجب المضاعفة وقاءها، ولا تبلغ البروج المشيدة أدنى مداها.

الصفحة 70