كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 2)
فصل مِفْتَاح دَار السَّعَادَة
حَاجَة النَّاس إِلَى الشَّرِيعَة ضَرُورِيَّة فَوق حَاجتهم إِلَى كل شَيْء وَلَا نِسْبَة لحاجتهم إِلَى علم الطِّبّ إِلَيْهَا إِلَّا ترى أَن أَكثر الْعَالم يعيشون بِغَيْر طَبِيب وَلَا يكون الطَّبِيب إِلَّا فِي بعض المدن الجامعة وَأما أهل البدو كلهم وَأهل الكفور كلهم وَعَامة بني آدم فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى طَبِيب وهم أصح أبدانا وَأقوى طبيعة مِمَّن هُوَ متقيد بالطبيب وَلَعَلَّ أعمارهم مُتَقَارِبَة وَقد فطر الله بني آدم على تنَاول مَا يَنْفَعهُمْ وَاجْتنَاب مَا يضرهم وَجعل لكل قوم عَادَة وَعرفا فِي اسْتِخْرَاج مَا يهجم عَلَيْهِم من الأدواء حَتَّى أَن كثيرا من أصُول الطِّبّ إِنَّمَا أخذت عَن عوائد النَّاس وعرفهم وتجاربهم وَأما الشَّرِيعَة فمبناها على تَعْرِيف مواقع رضى الله وَسخطه فِي حركات الْعباد الاختيارية فمبناها على الْوَحْي الْمَحْض وَالْحَاجة إِلَى التنفس فضلا عَن الطَّعَام وَالشرَاب لِأَن غَايَة مَا يقدر فِي عدم التنفس وَالطَّعَام وَالشرَاب موت الْبدن وتعطل الرّوح عَنهُ وَأما مَا يقدر عِنْد عدم الشَّرِيعَة ففساد الرّوح وَالْقلب جملَة وهلاك الْأَبدَان وشتان بَين هَذَا وهلاك الْبدن بِالْمَوْتِ فَلَيْسَ النَّاس قطّ إِلَى شَيْء أحْوج مِنْهُم إِلَى معرفَة مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول وَالْقِيَام بِهِ والدعوة إِلَيْهِ وَالصَّبْر عَلَيْهِ وَجِهَاد من خرج عَنهُ حَتَّى يرجع إِلَيْهِ وَلَيْسَ للْعَالم صَلَاح بِدُونِ ذَلِك الْبَتَّةَ وَلَا سَبِيل إِلَى الْوُصُول إِلَى السَّعَادَة والفوز الْأَكْبَر إِلَّا بالعبور على هَذَا الْجِسْم
فصل الشَّرَائِع كلهَا فِي أُصُولهَا وَإِن تباينت متفقة مركوز حسنها فِي
الْعُقُول وَلَو وَقعت على غير مَا هِيَ عَلَيْهِ لَخَرَجت عَن الْحِكْمَة والمصلحة وَالرَّحْمَة بل من الْمحَال أَن تَأتي بِخِلَاف مَا أَتَت بِهِ {وَلَو اتبع الْحق أهواءهم لفسدت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ} وَكَيف يجوز ذُو الْعقل أَن ترد شَرِيعَة أحكم الْحَاكِمين بضد مَا وَردت بِهِ فَالصَّلَاة قد وضعت على أكمل الْوُجُوه وأحسنها الَّتِي تعبد بهَا الْخَالِق تبَارك وَتَعَالَى عباده من تضمنها للتعظيم لَهُ بأنواع الْجَوَارِح من نطق اللِّسَان وَعمل الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَالرَّأْس وحواسه وَسَائِر أَجزَاء الْبدن كل يَأْخُذ لحظه من الْحِكْمَة فِي هَذِه الْعِبَادَة الْعَظِيمَة الْمِقْدَار مَعَ أَخذ الْحَواس الْبَاطِنَة بحظها مِنْهَا وَقيام الْقلب بِوَاجِب عبوديته فِيهَا فَهِيَ مُشْتَمِلَة على الثَّنَاء وَالْحَمْد والتمجيد وَالتَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَشَهَادَة الْحق وَالْقِيَام بَين يَدي الرب مقَام العَبْد الذَّلِيل الخاضع الْمُدبر المربوب ثمَّ التذلل لَهُ فِي هَذَا الْمقَام والتضرع والتقرب إِلَيْهِ بِكَلَامِهِ ثمَّ انحناء الظّهْر ذلا لَهُ وخشوعا واستكانة ثمَّ استواؤه قَائِما ليستعد لخضوع أكمل لَهُ من الخضوع
الصفحة 2
276