كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 2)

تَتبعُوهُ بالنَّار فتهيجوا بهَا خواطر النَّاس وتبعثوا ظنونهم بالتطير وَالنَّار وَالْعَذَاب وَالله أعلم
فصل وَأما تِلْكَ الوقائع الَّتِي ذكروها مِمَّا يدل على وُقُوع مَا تطير بِهِ
من تطير فَنعم وَهَاهُنَا أضعافها وأضاف أضعافها ولسنا ننكر مُوَافقَة الْقَضَاء وَالْقدر لهَذِهِ الْأَسْبَاب وَغَيرهَا كثيرا مُوَافقَة حزر الحازرين وظنون الظانين وزجر الزاجرين للقدر أَحْيَانًا مِمَّا لَا يُنكره أحد وَمن الْأَسْبَاب الَّتِي توجب وُقُوع الْمَكْرُوه الطَّيرَة كَمَا تقدم وَإِن الطَّيرَة على من تطير وَلَكِن نصب الله سُبْحَانَهُ لَهَا أسبابا يدْفع بهَا مُوجبهَا وضررها من التَّوَكُّل عَلَيْهِ وَحسن الظَّن بِهِ وإعراض قلبه عَن الطَّيرَة وَعدم التفاته إِلَيْهَا وخوفه مِنْهَا وثقته بِاللَّه عز وَجل ولسنا ننكر أَن هَذِه الْأُمُور ظنون وتخمين وحدس وخرص وَمَا كَانَ هَذَا سَبيله فَيُصِيب تَارَة ويخطىء تارات وَلَيْسَ كل مَا تطير بِهِ المتطيرون وتشاءموا بِهِ وَقع جَمِيعه وَصدق بل أَكْثَره كَاذِب وصادقه نَادِر وَالنَّاس فِي هَذَا الْمقَام إِنَّمَا يعولون وينقلون مَا صَحَّ وَوَقع ويعتنون بِهِ فَيرى كثيرا والكاذب مِنْهُ أَكثر من أَن ينْقل قَالَ ابْن قُتَيْبَة من شَأْن النُّفُوس حفظ الصَّوَاب للعجب بِهِ والاستغراب وتناسي الْخَطَأ قَالَ وَمن ذَا الَّذِي يتحدث أَنه سَأَلَ منجما فَأَخْطَأَ وَإِنَّمَا الَّذِي يتحدث بِهِ وينقل أَنه ساله فاصاب قَالَ وَالصَّوَاب فِي مسئلة إِذا كَانَ بَين أَمريْن قد يَقع للمعتوه والطفل فضلا عَن أولى الْعقل وَقد تقدم من بطلَان الطَّيرَة وكذبها مَا فِيهِ كِفَايَة وَقد كَانَت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا تسْتَحب أَن تتَزَوَّج الْمَرْأَة أَو يبْنى بهَا فِي شَوَّال وَتقول مَا تزَوجنِي رَسُول الله إِلَّا فِي شَوَّال فاي نِسَائِهِ كَانَ أحظى عِنْده مني مَعَ تطير النَّاس بِالنِّكَاحِ فِي شَوَّال وَهَذَا فعل أولى الْعَزْم وَالْقُوَّة من الْمُؤمنِينَ الَّذين صَحَّ توكلهم على الله واطمأنت قُلُوبهم إِلَى رَبهم ووثقوا بِهِ وَعَلمُوا إِن مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَأَنَّهُمْ لن يصيبهم إِلَّا مَا كتب الله لَهُم وَأَنَّهُمْ مَا أَصَابَهُم من مُصِيبَة إِلَّا وَهِي فِي كتاب من قبل أَن يخلقهم ويوجدهم وَعَلمُوا أَنه لَا بُد أَن يصيروا إِلَى مَا كتبه وَقدره وَلَا بُد أَن يجرى عَلَيْهِم وَإِن تطيرهم لَا يرد قَضَاءَهُ وَقدره عَنْهُم بل قد يكون تطيرهم من أعظم الاسباب الَّتِي يجرى عَلَيْهِم بهَا الْقَضَاء وَالْقدر فيعينون على أنفسهم وَقد جرى لَهُم الْقَضَاء وَالْقدر بِأَن نُفُوسهم هِيَ سَبَب إِصَابَة الْمَكْرُوه لَهُم فطائرهم مَعَهم وَأما المتوكلون على الله المفوضون إِلَيْهِ الْعَالمُونَ بِهِ وبأمره فنفوسهم أشرف من ذَلِك وهممهم أَعلَى وثقتهم بِاللَّه وَحسن ظنهم بِهِ عدَّة لَهُم وَقُوَّة وجنة مِمَّا يتطير بِهِ المتطيرون ويتشاءم بِهِ المتشائمون عالمون أَنه لَا طير إِلَّا طيره وَلَا خير إِلَّا خيرة وَلَا إِلَه غَيره أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين
فصل وَمِمَّا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَتَطَيَّرُونَ بِهِ ويتشاءمون مِنْهُ العطاس كَمَا
يتشاءمون بالبوارح

الصفحة 261