كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)
وَأَمَّا الْخِضَابُ بِغَيْرِ الْحِنَّاءِ، مِثْلُ الْوَشْمِ وَالسَّوَادِ وَالنِّيلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِطِيبٍ فَهُوَ زِينَةٌ مَحْضَةٌ. وَإِنْ كَانَ مِنَ الطِّيبِ مِثْلَ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ.
وَأَمَّا بِالْحِنَّاءِ فَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَكِنَّهُ زِينَةٌ، وَقَالَ أَيْضًا: " هُوَ مِثْلُ الزِّينَةِ "، وَعَلَى هَذَا أَصْحَابُنَا، قَالُوا: " لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقْصَدُ لَوْنُهُ دُونَ رَائِحَتِهِ فَأَشْبَهَ الْوَشْمَةَ وَنَحْوَهَا "، وَشَبَّهُوهُ بِالْعُصْفُرِ وَبِالْفَوَاكِهِ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ غَيْرُ الرَّائِحَةِ مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ.
وَقَوْلُ أَحْمَدَ: " مَنْ يُرَخِّصُ فِي الرَّيْحَانِ يُرَخِّصُ فِي الْحِنَّاءِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّيْحَانِ فِي كَوْنِهِ نَبَاتًا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، وَلَا يُتَّخَذُ لِلتَّطَيُّبِ. فَعَلَى هَذَا إِذَا مَنَعْنَا مِنَ الرَّيْحَانِ مَنَعْنَا مِنَ الْحِنَّاءِ.
وَيَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يُكْرَهَ بِحَالٍ ; لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: " مَنْ رَخَّصَ فِي الرَّيْحَانِ رَخَّصَ فِيهِ " وَلَمْ يَقُلْ: مَنْ مَنَعَ مِنَ الرَّيْحَانِ ; لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالرُّخْصَةِ مِنَ الرَّيْحَانِ إِذِ الرَّيْحَانُ يُقْصَدُ شَمُّهُ، وَالْحِنَّاءُ لَا يُقْصَدُ شَمُّهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَرَاهَةِ الرَّيْحَانِ كَرَاهَتُهُ كَمَا لَمْ يُكْرَهِ الْمُعَصْفَرُ، فَإِذَا كَانَ زِينَةً كُرِهَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَرْبٍ وَعَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُنَا.
وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ الرُّخْصَةَ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ قَالَ: " وَمَنْ يُرَخِّصُ فِي الرَّيْحَانِ يُرَخِّصُ فِيهِ "، وَالرَّيْحَانُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ ; وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا نَقَلَ الْكَرَاهَةَ عَنْ عَطَاءٍ.
الصفحة 107