كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)
فَلَمَّا سَمَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَمْيَ الصَّيْدِ بِالسَّهْمِ وَإِزْهَاقَ رُوحِهِ قَتْلًا، وَلَمْ يُسَمِّهِ ذَكَاةً وَلَا عَقْرًا، عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مُذَكًّى تَذْكِيَةً شَرْعِيَّةً.
وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا عَقْرٌ قَدْ حَرَّمَهُ الشَّرْعُ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ، فَلَمْ يُفِدِ الْإِبَاحَةَ وَلَا الطَّهَارَةَ كَذَبْحِ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ، وَعَكْسُهُ ذَبْحُ الْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ - إِنْ سَلِمَ - فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الْمَالِكِ، وَهُوَ أَنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَطِبْ بِهِ، وَلِهَذَا لَا يَخْتَلِفُ حَالُ الْغَاصِبِ قَبْلَ الْإِذْنِ وَبَعْدَهُ، إِلَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَغْصُوبِ خَاصَّةً بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ، فَإِنَّ إِحْرَامَهُ صِفَةٌ فِي نَفْسِهِ تَكُونُ مَعَ وُجُودِ الصَّيْدِ وَعَدَمِهِ كَدَيْنِ الْمُشْرِكِ وَالْمُرْتَدِّ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ عَقْرٌ مُحَرَّمٌ لِحَقِّ اللَّهِ فَلَمْ يُفِدِ الْإِبَاحَةَ، كَالْعَقْرِ فِي غَيْرِ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، وَبِكَلْبٍ غَيْرِ مُعَلَّمٍ، وَبِدُونِ التَّسْمِيَةِ وَبِدُونِ قَصْدِ الذَّكَاةِ، وَعَقْرِ الْمُشْرِكِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ قَبْلَ الذَّكَاةِ حَرَامٌ فَلَا يُبَاحُ إِلَّا بِأَنْ يُذَكَّى عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، كَمَا أَنَّ الْفَرْجَ قَبْلَ الْعَقْدِ مُحَرَّمٌ، فَلَا يُبَاحُ إِلَّا بِعَقْدٍ شَرْعِيٍّ، فَإِذَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ عَقْرِهِ لَمْ يَكُنْ عَقْرُهُ مَشْرُوعًا، فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ، كَمَا لَوْ نَكَحَ الْمَرْأَةَ نِكَاحًا لَمْ يُبِحْهُ الشَّارِعُ ; وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ لَا يُبِيحُهُ الْمَقْتُولَ لِقَاتِلِهِ بِحَالٍ، فَلَا يُبَاحُ لِغَيْرِهِ كَسَائِرٍ مَا نَهَى عَنْهُ الشَّرْعُ مِنَ الْقَتْلِ ; وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ مُحَرَّمٌ لِحُرْمَةِ الْحَيَوَانِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَا يُفِيدُ الْحِلَّ كَذَبْحِ الْإِنْسَانِ وَالضِّفْدَعِ وَالْهُدْهُدِ ; وَلِأَنَّ جُرْحَ الصَّيْدِ الْمُمْتَنِعِ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَالْإِبَاحَةَ، وَاقْتِضَاؤُهُ الْمِلْكَ أَقْوَى مِنِ اقْتِضَائِهِ الْإِبَاحَةَ ; لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ إِثْبَاتِهِ وَبِدُونِ قَصْدِ الذَّكَاةِ، وَيَثْبُتُ لِلْمُشْرِكِ، فَإِذَا كَانَ جُرْحُ الصَّيْدِ فِي حَالِ الصَّيْدِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، فَأَنْ لَا يُفِيدَ الْإِبَاحَةَ أَوْلَى وَأَحْرَى.
وَصَيْدُ الْحَرَمِ - إِذَا ذُبِحَ فِيهِ - بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ: كَالصَّيْدِ الَّذِي يَذْبَحُهُ الْمُحْرِمُ،
الصفحة 157