كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)

فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ ; لِأَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الْقُبْلَةَ، وَحَكَوْا هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِذَلِكَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الْقُبْلَةَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ، لَا أَنَّهَا مُبَاحَةٌ، وَهَذَا مِنَ الْقَاضِي يَقْتَضِي أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَلَا دَمَ فِيهَا.

(فَصْلٌ)
فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الرَّمْيِ، فَلَوْ لَبِسَ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي الْحَارِثِ: حَجُّهُ فَاسِدٌ إِذَا وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ ; لِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَائِمٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ انْتَقَضَ بَعْضُ إِحْرَامِهِ وَحَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ - وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْمُحْرِمِ يَغْسِلُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، فَقَالَ: إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدِ انْتَقَضَ إِحْرَامُهُ إِنْ شَاءَ غَسَلَهُ.
لِأَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ» وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ.

الصفحة 539