كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)

وَالثَّانِيَةُ: بِالرَّمْيِ وَالْحِلَاقِ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: ابْدَأْ بِشِقِّ رَأْسِكَ الْأَيْمَنِ وَأَنْتَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْكَعْبَةِ وَقُلْ: اللَّهُمَّ هَذِهِ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ اجْعَلْ لِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي نَفْسِي وَتَقَبَّلْ عَمَلِي، وَخُذْ مِنْ شَارِبِكَ وَأَظْفَارِكَ ثُمَّ قَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ.
وَالْمَرْأَةُ تُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهَا، وَتَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَقَدْ نَصَّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ: عَلَى أَنَّ الْمُعْتَمِرَ مَا لَمْ يَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ فَهُوَ مُحْرِمٌ ; لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: " إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ " وَهَذِهِ زِيَادَةٌ ... .
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَأْخَذِ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى طُرُقٍ ; فَقَالَ الْقَاضِي - فِي الْمُجَرَّدِ - وَأَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ طَلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ، وَخَرَّجُوا فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ إِطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ بِمَنْزِلَةِ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَأَخْذِ الشَّارِبِ، وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَالطِّيبِ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، فَكَانَ فِي وَقْتِهِ إِطْلَاقَ مَحْظُورٍ كَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ مِنَ اللُّبْسِ وَالطِّيبِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نُسُكًا مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ لَمْ يَجِبْ بِفِعْلِهِ حَالَ الْإِحْرَامِ دَمٌ كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ مِنَ الطَّوَافَيْنِ وَالْوُقُوفَيْنِ وَالرَّمْيِ، وَسَبَبُ هَذَا: أَنَّ الْحَلْقَ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ إِلْقَاءِ التَّفَثِ، وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ وَالْغُبَارِ وَنَوْعٌ مِنَ التَّرَفُّهِ، وَذَلِكَ بِالْمُبَاحَاتِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْعِبَادَاتِ، وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ رُبَّمَا اسْتَحَبُّوا الْحِلَاقَ مِنْ حَيْثُ هُوَ نَظَافَةٌ لِلطَّوَافِ كَمَا يُسْتَحَبُّ الْحَلْقُ وَالتَّقْلِيمُ

الصفحة 540