كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي الْحَارِثِ -: قَوْلُهُ: «الْحَجُّ عَرَفَةُ». عَلَى السَّلَامَةِ، فَإِذَا هُوَ عَمِلَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ مِنْ طَوَافٍ يَوْمَ النَّحْرِ فَهُوَ الطَّوَافُ الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفِ النَّاسُ - عَلِمْنَا - أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَطُفْ يَوْمَ النَّحْرِ أَنَّهُ يَرْجِعُ حَتَّى يَطُوفَ، وَلَوْ كَانَ قَدْ أَتَى أَهْلَهُ، وَذَلِكَ مُشْبِهُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَهَا» ". فَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً أَفَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى كَمَالِهَا، وَمَا أَفْسَدَ آخِرَهَا أَفْسَدَ أَوَّلَهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى كَمَالِهَا. وَكَذَلِكَ الْوَاقِفُ بِعَرَفَةَ مَا لَمْ يَأْتِ بِرَمْيِ الْجِمَارِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءِ: فَحَجُّهُ فَاسِدٌ إِذَا وَطِئَ قَبْلَ رَمْيِ الْجِمَارِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَائِمٌ عَلَيْهِ، وَإِذَا رَمَى الْجِمَارَ: فَقَدِ انْتَقَضَ إِحْرَامُهُ، وَحَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ.

(فَصْلٌ)
وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ كُلِّ طَوَافٍ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَفِي غَيْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: النِّيَّةُ، وَهِيَ أَنْ يَقْصِدَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، فَلَوْ دَارَ حَوْلَ الْبَيْتِ طَالِبًا لِرَجُلٍ، أَوْ مُتَرَوِّحًا بِالْمَشْيِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَوَافًا، كَمَا لَوْ أَمْسَكَ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ، وَلَمْ يَقْصِدِ الصَّوْمَ، أَوْ تَجَرَّدَ عَنِ الْمَخِيطِ وَلَبَّى، وَلَمْ يَقْصِدِ الْإِحْرَامَ، وَهَذَا أَصْلٌ مُسْتَقِرٌّ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودَةِ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِنِيَّةٍ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، وَهَذَا لَمْ يَنْوِ الْعِبَادَةَ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مِنَ الْحَدَثِ، فَلَوْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا، أَوْ حَائِضًا: لَمْ يَجُزْ لَهُ فِعْلُ الطَّوَافِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، بَلْ هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ

الصفحة 582