كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)

وَعَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ: أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ طَاوُسٍ عَنْ رَجُلٍ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّمَا الطَّوَافُ صَلَاةٌ، فَإِذَا طُفْتُمْ فَأَقِلُّوا الْكَلَامَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ، إِلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ، فَلَا يَتَكَلَّمْ إِلَّا بِخَيْرٍ» قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا.
فَقَدْ جَعَلَهُ صَلَاةً، وَمِثْلَ الصَّلَاةِ إِلَّا فِي إِبَاحَةِ النُّطْقِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسَاوِي الصَّلَاةَ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ مِنَ الطَّهَارَتَيْنِ وَالزِّينَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، إِذْ لَوْ فَارَقَهَا فِي غَيْرِ الْكَلَامِ لَوَجَبَ اسْتِثْنَاؤُهُ، فَإِنَّ اسْتِثْنَاءَ هَذِهِ الصُّورَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ، وَإِذَا دَخَلَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ، فَدُخُولُ سَائِرِ الصُّوَرِ أَوْكَدُ.
وَعَلَى هَذَا فَالْمُحْدِثُ يُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا يُمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ.

الصفحة 585