كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)

وَقَالَ الْقَاضِي - فِي الْمُجَرَّدِ -: يَجُوزُ الطَّوَافُ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ قُبَّةُ زَمْزَمَ وَسِقَايَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَائِلَ فِي الْمَسْجِدِ كَلَا حَائِلَ، وَإِنْ طَافَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ الْحَائِلَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ، كَمَا لَوِ ائْتَمَّ بِالْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَبَيْنَهُمَا سُورُهُ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَانِعُ وُجُودُ الْحَائِلِ، فَلَوْ فُرِضَ زَوَالُ جِدَارِ الْمَسْجِدِ صَحَّتِ الصَّلَاةُ خَارِجَهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنْ تَبَاعَدَ عَنِ الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَمْنَعِ الْإِجْزَاءَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إِبْطَالِهَا الْبُعْدُ مَعَ مُسَامَتَتِهِ، وَمُحَاذَاتِهِ كَالصَّلَاةِ.
وَإِنْ طَافَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، أَوْ حَوْلَ الْبَيْتِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ جِدَارٌ آخَرُ: احْتَمَلَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَائِفًا بِالْبَيْتِ، بَلْ بِالْمَسْجِدِ، أَوِ الْجِدَارِ الَّذِي هُوَ حَائِلٌ؛ وَلِأَنَّ الْبُقْعَةَ الَّتِي هِيَ مَحَالُّ الطَّوَافِ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَ الْمَطَافِ مَطَافًا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ سَعَى فِي مُسَامَتَةِ الْمَسْعَى، وَتَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَمْ يُجْزِهِ، كَذَلِكَ هَاهُنَا.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ بَيْتَهُ مُعَدٌّ لِلطَّائِفِينَ، وَالْعَاكِفِينَ وَالْمُصَلِّينَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي اخْتِصَا. . .

الصفحة 599