كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)

بِمُزْدَلِفَةَ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى مِنَ الْمُبَايَنَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مَا لَا يَجُوزُ مَعَهُ إِلْحَاقُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، إِلَّا كَإِلْحَاقِ الْوُقُوفِ بَيْنَ الْجَمْرَتَيْنِ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.
وَقَوْلُهُمْ: لَيْسَ بِمَقْصُودٍ قَدْ مَنَعَهُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْوَقْتَ يَمْتَدُّ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَوَقْتُهُ مِنْ أَوَاخِرِ اللَّيْلِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا سَيَأْتِي.
الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ يَفُوتُ وَقْتُهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمٌ. هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا بَعْدَهُ ; لِقَوْلِ أَحْمَدَ: وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَإِنْ لَمْ يَبِتْ فَعَلَيْهِ دَمٌ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ. وَالْمَبِيتُ إِنَّمَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ كَالْمَبِيتِ بِمِنًى، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ ذَهَبَ وَقْتُ الْمَبِيتِ، وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ: لَا يَرَوْنَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَاجِبًا، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عِنْدَهُمُ الْمَبِيتُ بِهَا، وَلَا يَرَوْنَ الْوُقُوفَ غَدَاةَ جَمْعٍ مِنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ، بَلْ مِنْ جِنْسِ الْوُقُوفِ بَيْنَ الْجَمْرَتَيْنِ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ لِمَنْ تَدَبَّرَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَنُصُوصَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْعُلَمَاءِ قَبْلَهُ.
وَنَقَلَ عَنْهُ صَالِحٌ - فِي رَجُلٍ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِجَمْعٍ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَمَرَّ بِجَمْعٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ: عَلَيْهِ دَمٌ.
وَنَقَلَ عَنْهُ الْمَرُّوذِيُّ: إِذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ، فَغَلَبَهُ النَّوْمُ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَيْهِ دَمٌ. فَأَوْجَبَ الدَّمَ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ بِهَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ.
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: إِذَا لَمْ يَقِفْ بِجَمْعٍ عَلَيْهِ دَمٌ، وَلَكِنْ يَأْتِي

الصفحة 611