كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)

جَمْعًا فَيَقِفُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَيُجْزِئُهُ، فَجَعَلَ الْمُوجِبَ لِلدَّمِ عَدَمَ الْوُقُوفِ، فَإِذَا وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ احْتَجَّ بِحَدِيثِ عُمَرَ لَمَّا انْتَظَرَ الْأَعْرَابِيَّ، وَإِنَّمَا جَاءَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
وَعَلَى هَذَا إِذَا لَمْ يَقِفْ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقِفَ بَعْدَ طُلُوعِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ لَا يَفُوتُ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَمَنْ وَافَاهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَفَ بِهَا ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ بِهَا وَأَفَاضَ قُبَيْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَهَذَا الْوُقُوفُ الْمَشْرُوعُ فِي غَدَاتِهَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنَ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَبِهِ يَتِمُّ امْتِثَالُ قَوْلِهِ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] الْآيَةَ. وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: "هَذَا هُوَ الْمَوْقِفُ وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ" وَهَذَا نَظِيرُ الْوُقُوفِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَأَحَدُ الْمَوْقِفَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْوُجُوبِ وُجُودًا وَعَدَمًا؟ أَمْ كَيْفَ لَا يَكُونُ هَذَا الزَّمَانُ وَقْتًا لِلنُّسُكِ الْمَشْرُوعِ بِمُزْدَلِفَةَ؟
وَأَيْضًا: فَإِنَّ عُرْوَةَ بْنَ مُضَرِّسٍ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِمُزْدَلِفَةَ حِينَ خَرَجَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» ".
وَهَذَا نَصٌّ فِي مُزْدَلِفَةَ تُدْرَكُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا تُدْرَكُ قَبْلَ الْفَجْرِ ; لِأَنَّ هَذَا السَّائِلَ إِنَّمَا وَافَاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَضَاءِ حَجِّهِ، وَلَمْ يُخْبِرْهُ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: فَلَعَلَّهُ دَخَلَ فِيهَا قَبْلَ الْفَجْرِ. . .

الصفحة 612