كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)

لِلْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ; لِئَلَّا يَتَدَاخَلَ وَقْتُ هَذَيْنِ النُّسُكَيْنِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَشُهُودُ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَالْوُقُوفُ مَعَهُ، وَإِنَّمَا جَاءَ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ تَبَعًا لِأَنَّ الْوُقُوفَ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَبِيتِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَقْصُودُ تَبَعًا وَالتَّبَعُ مَقْصُودًا؟!
وَأَيْضًا: فَمَا رَوَى إِبْرَاهِيمُ عَنِ الْأَسْوَدِ: " أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ بِجَمْعٍ بَعْدَمَا أَفَاضَ مَنْ بِعَرَفَاتٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدِمْتُ الْآنَ، فَقَالَ: أَمَا كُنْتَ وَقَفْتَ بِعَرَفَاتٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَأْتِ عَرَفَةَ وَقِفْ بِهَا هُنَيْهَةً، ثُمَّ أَفِضْ. فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ، وَأَصْبَحَ عُمَرُ بِجَمْعٍ، وَجَعَلَ يَقُولُ: أَجَاءَ الرَّجُلُ؟ فَلَمَّا قِيلَ: قَدْ جَاءَ أَفَاضَ" رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ.
فَهَذَا رَجُلٌ إِنَّمَا أَدْرَكَ النَّاسَ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ مِنْ جَمْعٍ ; لِأَنَّ مَجِيئَهُ إِلَى مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ التَّعْرِيفِ لَا أَثَرَ لَهُ، فَإِنَّ مُزْدَلِفَةَ إِنَّمَا يَصِحُّ الْمَبِيتُ وَالْوُقُوفُ بِهَا بَعْدَ عَرَفَةَ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَأْمُرْهُ عُمَرُ بِدَمٍ، بَلِ انْتَظَرَهُ لِيَقِفَ مَعَ النَّاسِ، وَلَوْ كَانَ وَقْتُ الْوُجُوبِ قَدْ ذَهَبَ لَمَا كَانَ لِانْتِظَارِهِ مَعْنًى.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَالْعِبَادَاتُ الْمُتَعَاقِبَةُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ وَقْتِ إِحْدَاهُمَا فِي وَقْتِ الْأُخْرَى، كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ.

الصفحة 614