كتاب شرح العمدة لابن تيمية - كتاب الحج (اسم الجزء: 2)

وَوَقْتُ عَرَفَةَ يَمْتَدُّ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَلَوْ كَانَ وَقْتُ مُزْدَلِفَةَ يَنْتَهِي إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَكَانَ وَقْتُ مُزْدَلِفَةَ بَعْضَ وَقْتِ عَرَفَةَ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَاجِبٌ.
قُلْنَا: هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي، أَوْ قُبَيْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا يُسَمَّى بَائِتًا بِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَمَّا كَانَ وَاجِبًا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيتَ بِهَا لَحْظَةً مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ حَتَّى يَبِيتَ بِهَا مُعْظَمَ اللَّيْلِ. نَعَمْ مَنْ أَدْرَكَهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ بِهَا إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ ; لِأَجْلِ أَنَّ الْوُقُوفَ الْمَطْلُوبَ هُوَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَصَارَ هَذَا مِثْلَ الْوُقُوفِ الْوَاجِبِ بِعَرَفَةَ هُوَ آخِرُ النَّهَارِ، فَإِذَا نَزَلُوا بِنَمِرَةَ أَقَامُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ لِانْتِظَارِ الْوُقُوفِ، لَا لِأَنَّ النُّزُولَ بِنَمِرَةَ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَلَوْ تَأَخَّرَ الْإِنْسَانُ إِلَى وَقْتِ الْوُقُوفِ أَجْزَأَ، كَذَلِكَ هُنَا.
الْخَامِسَةُ: مَنْ وَافَاهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ بِهَا، بِمَعْنَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا، لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ.
قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ -: وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَبِتْ فَعَلَيْهِ دَمٌ.
ثُمَّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَعْذَارِ ; مِثْلُ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ، وَالْمَرْضَى، وَمَنْ يَقُومُ بِهِمْ فَلَهُ الدَّفْعُ مِنْهَا فِي آخِرِ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَالسُّنَّةُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ إِلَى أَنْ يَقِفَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ الدَّفْعُ فِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ الدَّفْعُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، قَالَ حَرْبٌ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: رَجُلٌ خَرَجَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ نِصْفَ اللَّيْلِ، فَأَتَى

الصفحة 615